قال أصحابنا: ويصح ما قال أبو العباس، إذا كانت نوعًا واحدًا، إما برنيًا، وإما معقليًا، أو غيرهما، فأما إذا كانت النخل أنواعًا: فلا يصح؛ لأن من الرطب ما يكون كثير الماء قليل اللحم والشحم، فإذا جف.. كان تمره قليلًا، كالسكر والهلياث، ومنها ما يكون قليل الماء كثير اللحم والشحم، فإذا جف.. كان ثمره أكثر، كالبرني والمعقلي.. فلم يصح إلا بأن يحزر رطب كل نخلةٍ وما يجيء منه تمرٌ، فإذا خرصت الثمارُ، وعرف الساعي مبلغ حق المساكين منها.. فإن الثمرة تقر في يد رب المال؛ لأنه أمينٌ عليها، ولأن مؤنة تجفيفها عليه، فأقرت في يده.
فإن ضمن رب المال حق المساكين.. جاز؛ لحديث عبد الله بن رواحة:«أنه كان يضمن أهل خيبر» ويستفيد بهذا الضمان جواز التصرف فيها: بالأكل، والبيع والهبة، وغير ذلك.
قال الشيخُ أبو حامدٍ: ولكن لا يلزم عليه الضمان إلا بعد التصرف؛ لأن ما لا يضمن بالغصب والتسليم.. لم يضمن بالشرط، وإنما يضمن بالإتلاف كالوديعة. فإذا أتلفها أو باعها.. لزمه حق المساكين تمرًا مما خرص عليه، فيستفاد بالخرص التضمين، وبالتضمين التصرف، وبالتصرف لزوم الضمان.
فإن لم يخير رب المال أن يضمن.. لم يجبر على ذلك، وتقر الثمرة في يده، ولا يجوز له التصرف في الثمرة بشيء من وجوه التصرفات؛ لأن المال إما أن يكون مرهونًا بالزكاة، والتصرف بالرهن لا يجوز بغير إذن المرتهن، أو يستحق الفقراء جزءًا من المال، فيصير كالمال المشترك، ولا يجوز لأحد الشريكين التصرف بشيءٍ منه.