وقال في الجديد:(الفقير: هو الذي لا شيء له، زمنا كان أو غير زمن، سواء سأل أو لم يسأل) .
فقال البغداديون من أصحابنا:(الفقير) : هو الذي لا شيء له، أو له شيء لا يقع موقعا من كفايته، مثل: أن يحتاج كل يوم إلى عشرة دراهم، وهو يكتسب كل يوم ثلاثة أو أربعة سواء كان صحيحا أو زمنا، وسواء سأل أو لم يسأل، وإنما اختصر الشافعي العبارة عنه في القديم، وبسطها في الجديد؛ لأنه قد يسأل ولا يعطى، وقد يعطى من غير سؤال، وقد يكتسب الزمن، ولا يكتسب الصحيح.
وحكى المسعودي [في الإبانة \ ق\ ٤٥٦] : أن من أصحابنا من قال: هل من شرط الفقير أن يكون متعففا عن السؤال؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يشترط؛ لما ذكرناه.
والثاني: يشترط؛ لأن حال المتعفف أشد.
إذا ثبت هذا: فكم يعطى الفقير من الزكاة؟ فيه وجهان:
أحدهما - وهو قول ابن القاص في " المفتاح " -: أنه يعطى قوت سنة له ولعياله؛ لأن الزكاة تجب في كل سنة، فاعتبر كفايته بها.
والثاني - وهو قول سائر أصحابنا وهو المنصوص للشافعي -: (أنه يعطى ما يخرجه من حد الفقر إلى الغنى، وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل المسألة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابت ماله جائحة، فاجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش، أو قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة أو حاجة، حتى يشهد، أو يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: إن به فاقة وحاجة، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش، أو قواما من عيش، ثم يمسك» . فأجاز له المسألة إلى أن يصيب ما يسده.