وأما الحديث المذكور في الفسخ: فأومأ الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الأم "[٢/١٠٩] إلى: أن النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ وأصحابه أحرموا إحراما موقوفا، فلما انتظر النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ القضاء بين الصفا والمروة.. نزل عليه القضاء:«من ساق الهدي.. فليجعله حجا، ومن لم يسق الهدي.. فليجعله عمرة» ، وروي ذلك عن طاووس.
فإن كان على هذا التأويل.. فهو جائز في وقتنا هذا.
قال الشيخ أبو حامد: والمشهور في الأخبار خلاف هذا، وأن النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم هو وأصحابه بالحج، فلما دخل مكة.. فسخ الحج على من لم يكن معه هدي، وأمرهم بالإحرام بالعمرة، وإنما فعل ذلك؛ ليبين جواز الاعتمار في أشهر الحج؛ لأن أهل الجاهلية كانوا لا يرون ذلك، ويقولون:(هو من أفجر الفجور، ويقولون: إذا عفا الأثر، وبرأ الدبر، وانسلخ صفر.. حلت العمرة لمن اعتمر) فأحب النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أن يبين الجواز بأظهر ما يكون، ففسخ عليهم الحج، وإنما خص بالفسخ من لم يكن معه هدي؛ لأنه فرضهم الصوم، ولا ضرر عليهم في الصوم بمكة، ولو فسخها على الذين معهم هدي.. لاحتاجوا إلى ذبح هديهم بمكة، وفي ذلك ضرر؛ لأنهم يحرمون بالحج من مكة، والمتمتع يذبح هديه إذا أحرم بالحج، فكان يصير سنة الذبح بمكة، وفي ذلك ضرر؛ لأنها تتلوث بالدم، فتركهم على إحرامهم لكي يذبحوا بمنى، وتكون سنة الذبح بها، ولا تتلوث مكة بالدم.