لا يجب على المسلمين إلا إذا بدؤوا بالقتال، أو استنفرهم أهل الثغور إلى قتالهم، وهؤلاء لم يبدؤوا بقتال، وإنما منعوا الطريق فقط. فإن قاتلوهم جاز، وهل الأولى أن يقاتلوهم، أو يتحللوا؟ ينظر فيه: فإن كان في المسلمين قوة، وفي المشركين الصادين لهم ضعف فالأولى أن يقاتلوهم؛ ليجمعوا بين نصرة الإسلام والتوصل إلى قضاء نسكهم، وإن كان في المشركين قوة وفي المسلمين ضعف فالأولى أن لا يقاتلوهم؛ لئلا يلحق الإسلام والمسلمين وهن بغلبة الكفار. وإن بذلوا لهم تخلية الطريق بجعل كره لهم دفعه إليهم؛ لأن في ذلك إجراء صغار على الإسلام. وإن بذلوا لهم الجعل جاز.
وإن بذلوا لهم تخلية الطريق بعد المنع، فإن كانوا واثقين بعقدهم غير خائفين من غدرهم لم يجز لهم التحلل؛ لأنهم غير مصدودين. وإن كانوا خائفين من غدرهم جاز لهم التحلل.
إذا ثبت أن لهم التحلل، فإن كان الوقت واسعا قال الشافعي:(أحببت لهم أن لا يتحللوا، وينتظروا اليومين والثلاث؛ لأنه ربما زال الحصر وانصرف العدو) .
فإن انتظروا ولم ينصرف العدو، أو كان الوقت ضيقا يخشى فيه فوات الحج قال الشافعي:(أحببت له أن يتحلل لئلا يفوته الحج) .
فإن تحلل من إحرامه لم يخل: إما أن ينصرف العدو، أو لا ينصرف. فإن لم ينصرف العدو رجع المصدود. وإن انصرف العدو، فإن كان الوقت واسعا بحيث يمكنه أن يجدد الإحرام ويمضي ويدرك الحج فقد استقر وجوب الحج عليه؛ لأنه قد تمكن منه، لكنه بالخيار: إن شاء حج في هذه السنة، وإن شاء أخر وحج في سنة أخرى؛ لأن الحج - عندنا - على التراخي. وإن كان الوقت ضيقا بحيث لا يمكنه أن يلحق الحج سقط عنه الوجوب في هذه السنة.
وإن لم يتحلل حتى فاته الحج وجب عليه القضاء بالفوات، فإن كان قد زال