(يجوز بيعها) ، ويكون هذا حجة على صحة البيع للقول القديم، وعلى القول الجديد (لا يصح بيعها) ، فيحمل الخبر على أنها عجزت نفسها عن أداء ما عليها، فعجّزها أهلها، وفسخوا العقد، والفسخ يصح بصريح الفسخ بأن يقول المولى: فسخت الكتابة، ويصح بإزالة الملك بأن يبيعه، أو يهبه، فكأنهم جعلوا بيعهم لها فسخًا لكتابتها.
فإن باعه عبدًا بشرط أن يعتقه المشتري، ويكون الولاء للبائع.. فشرط الولاء باطلٌ بلا خلاف على المذهب، وفي البيع قولان:
أحدهما: وهو رواية أبي ثور عن الشافعي: (أن البيع صحيح) ؛ لما ذكرناه من حديث عائشة في شراء بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
والثاني ـ وهو المشهور ـ: أن البيع باطلٌ؛ لأنه شرط ليس من مقتضى العقد، ولا من مصلحته، ولم يبن على التغليب، فأبطله، كسائر الشروط الفاسدة.
وأمّا تأويل حديث عائشة: فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد إبطال ذلك عليهم، وقطع عادتهم في ذلك، فأمر عائشة:(أن تشترط لهم الولاء) ، ثم أبطله؛ ليكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك، كما أنه أمرهم بالإحرام بالعمرة في أشهر الحج، فلم يحرموا؛ لأنهم كانوا لا يرون جواز ذلك، فأحرموا بالحج، ثم فسخ عليهم إحرامهم بالحجّ، وأمرهم بالإحرام بالعمرة؛ ليبالغ في الزجر والردع عن ذلك عما كانوا يعتقدونه، كذلك هذا مثله، فيكون هذا الشرط خاصًّا لعائشة - رضي الله عنها -؛ لهذا المعنى.
قال المزني: ويحتمل أن يكون معنى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اشترطي لهم الولاء» ؛ أي: اشترطي عليهم الولاء؛ لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[الإسراء: ٧][الإسراء: ٧] ، أي: فعليها.
وهذا التأويل ليس بصحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبطل شرط الولاء، ولو كانت اشترطت عليهم الولاء لها.. لكان هذا صحيحًا.