للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة: (إذا قبضها المشتري بإذن البائع، وكان قد سمى لها عوضًا له قيمة.. ملكها بالقبض ملكًا ضعيفًا، ولبائعها أن يرجع فيها، فيأخذها مع الزيادة المتصلة والمنفصلة. فإن تصرّف فيها المشتري تصرُّفًا يمنع البائع الرجوع فيها، كالبيع والهبة والعتق والكتابة.. نفذ تصرّفه، وكان للبائع عليه ثمنها. وقيل: قيمتها. وإن اشتراها بما لا قيمة له، كالدم والميتة.. لم يملكها بالقبض) .

واحتجُّوا بحديث عائشة في شراء بريرة، وعندهم: أن الشراء كان باطلاً، وإنّما ملكتها بالقبض، ونفذ تصرُّفها فيها بالعتق لذلك.

دليلنا: أنه مقبوض عن عقدٍ فاسدٍ.. فلم يملكه به، فوجب أن لا ينفذ به تصرفه، كما لو اشتراها بدم أو ميتة.

ولأن الوطء في النكاح الصحيح بمنزلة القبض في البيع الصحيح، بدليل: أنّه يستقر به المسمى في النكاح، والثمن في البيع.

ثم ثبت أنه لا يستفيد بالوطء في النكاح الفاسد شيئًا مما يستفيده بالعقد الصحيح من استباحة البضع، والإيلاء، والظهار، والطلاق، فكذلك يجب أن لا يملك بالقبض في البيع الفاسد شيئًا مما يملك بالعقد الصحيح.

وأمّا حديث عائشة: فيحتمل أنّها شرطت لهم الولاء قبل العقد، فلذلك لم يبطل البيع، ويحتمل أن القصة كانت خاصّة بعائشة، وأراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك قطع عادتهم في ذلك.

فإن قبضها المشتري، فإن كانت باقية بحالها لم تزد ولم تنقص.. لزمه ردُّها، وإن أقامت في يده مدة لها أجرة، فإن كانت صانعة.. لزمه أجرة مثلها صانعة، سواءً استخدمها أو لم يستخدمها؛ لأنه ممسك لها بغير حق، وإن كانت غير صانعة.. لزمه أجرة مثلها غير صانعة.

ومن أصحابنا من قال: لا تلزمه أجرتها، كما إذا كان المبيع نخلة.. فإنه لا يلزمه رد أجرتها.

قال الشيخ أبو حامد: وهذا غلط؛ لأنه ما من جارية إلا ولها أجرة ومنفعة، بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>