قال أبو عبيد: وقد روي: «المكيال مكيال أهل مكة، والميزان ميزان أهل المدينة» . والأول أشهر، ولم يرد: أنه لا مكيال إلا مكيال أهل مكة، ولا ميزان إلا ميزان أهل المدينة، وإنما أراد: أن الاعتبار بما يكال ويوزن بهما.
إذا ثبت هذا: فإن الذهب والورق موزونان، والأربعة الأعيان الأخرى: وهي الحنطة والشعير والملح والتمر مكيلة؛ لما روي في حديث عبادة بن الصامت: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«الذهب بالذهب، وزنا بوزن، والفضة بالفضة، وزنا بوزن، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، كيلا بكيل» . وهذا نص.
قال الشاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن كان الملح قطعا.. ففيه وجهان:
أحدهما: يباع بعضه ببعض وزنًا، لأنه لا يمكن كيله.
والثاني: يسحق، ويباع بعضه ببعض كيلا، لأن أصله الكيل.
وأما غير هذه الأعيان المنصوص عليها في الربا: فنعتبر بعرف الحجاز فيها في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لما ذكرناه من الخبر، ولأنها مقر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودار هجرته.
قال الشيخ أبو حامد: فأما ما حدث من المطعومات بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو ما كان منها على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يكن بأرض الحجاز.. ففيه وجهان:
أحدهما: يعتبر بأشبه الأشياء به في الحجاز في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن كان ما يشبهه مكيلا.. لم يجز بيع بعضه ببعض إلا كيلاً، وإن كان ما يشبهه موزونًا.. لم يجز بيع بعضه ببعض إلا وزنًا، كما قلنا في جزاء الصيد: يعتبر ما لم يحكم فيه الصحابة بأشبه الأشياء به مما حكمت به الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وكذلك ما استطابته العرب..