الثالثة: أن لا يصرح البائع بالرضا بالبيع من الأول، ولكن وجد منه ما يدل عليه، بأن يقول: أنا أشاور على ذلك، وما أشبهه، فهل يحرم على غيره أن يدخل على سومه؟ فيه وجهان، بناءً على القولين في الدخول على خطبة غيره إذا وجد من الوليّ التعريض بالإجابة:
[أحدهما] : قال في القديم: (يحرم) ؛ لأن في إفسادًا لما تقارب بينهما.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يحرم) ؛ لأنه لم يوجد منه الرِّضا بذلك. هذا إذا سام على سوم أخيه.
فأمّا إذا استام على سوم أخيه، مثل: أن قال البائع: أبيعكها بمائة، وقال المشتري: بل أشتريها بتسعين، فيجيء إنسان إلى المشتري، فيقول له: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بما قلت أو دونه.. ففيه المسائل الثلاث، إن لم يوجد من المشتري ما يدل على ركونه إلى قول البائع.. فلا يحرم، وإن وجد منه الرضا بقول البائع.. فيحرم، وإن وجد منه التعريض بالرّضا بذلك.. فهل يحرم؟ فيه وجهان.
إذا ثبت هذا: فإن سام، أو استام، واشترى، أو باع.. صحّ ذلك؛ لأن النهي لمعنًى في غير المبيع، فلم يمنع صحة البيع. فأمّا إذا عرضت السلعة في حال النداء: لم يحرم على من أراد أن يشتريها الزيادة في ثمنها؛ لما روى أنس: «أن رجلاً من الأنصار أصابه جوعٌ وجهدٌ، فشكا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما لك شيءٌ؟ " قال: بلى، حلسٌ وقدَحٌ، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اذهب، فأت بهما"، فأتى بهما، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يشتريهما؟ "، فقال رجلٌ: أنا أشتريهما بدرهم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يزيد على درهم " فقال آخر: أنا أشتريهما بدرهمين، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هما لك بدرهمين» ، ولأن هذا لا يؤدي إلى الإفساد؛ لأنه لا يقصد بالنداء رجلاً