ولأن الحادثة واحدة وهي البيع، فإثبات قول أحد الخصمين نفيٌ لقول الآخر، فجاز الجمع بينهما، وهل يقدم الإثبات على النفي في اليمين أو اليمينين؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو سعيد الإصطخري: يبدأ بالإثبات قبل النفي، كما يبدأ في اللعان بالإثبات قبل النفي.
و [الثاني] : قال عامّة أصحابنا: يبدأ بيمين النفي قبل الإثبات، وهو الصحيح؛ لأن الأصل في الأيمان إنما هو البداية بالنفي، وهو يمين المدّعى عليه، ولا تكون اليمين على الإثبات إلا عند نكول المدَّعى عليه، أو على سبيل التبع للنفي، بخلاف اللِّعان، فإنه لا نفي فيه، وإنما هو إثبات.
إذا ثبت هذا: فإن قلنا: يحلف كل واحد منهما يمينًا واحدة.. فإن البائع يحلف يمينًا: ما بعتكها بألف، ولقد بعتكها بألفين، فإذا حلف البائع.. قيل للمشتري: أنت بالخيار: بين أن تأخذ السلعة بألفين، أو تحلف، فإن اختار أن يأخذها بألفين.. أُقرّ العقد، وإن اختار أن يحلف.. حلف: أنه ما اشتراها بألفين، ولقد اشتراها بألف، فإذا حلف فقد تحالفا، وهذا معنى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلف البيِّعان.. فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار» .
وإن قلنا: يحلف كل واحدٍ منهما يمينًا.. فإن البائع يحلف يمينًا: أنه ما باعها بألفٍ، فإذا حلف.. قيل للمشتري: أتختار أن تأخذ السلعة بألفين، أو تحلف؟ فإن لم يحلف، واختار أخذها بألفين.. لزمه البيع بألفين، وإن اختار أن يحلف.. حلف: أنه ما اشتراها بألفين، ثم يحلف البائع: لقد باعها منه بألفين، ثم يحلف المشتري: لقد اشتراها منه بألفٍ، ويصيران متحالفين، فإن نكل المشتري عن يمين النفي.. حلف البائع: على الإثبات، ولزم المشتري ما حلف عليه البائع، وإن نكل المشتري عن يمين الإثبات.. لزمه ما حلف عليه البائع.