فـ[أحدها] : منهم من قال: إن قلنا: إن التدبير وصية.. صح الرهن، وبطل التدبير؛ لأن الوصية يجوز الرجوع فيها بالقول، فجعل الرهن رجوعا. وإن قلنا: إن التدبير عتق بصفة.. لم يصح الرهن؛ لأنه لا يصح الرجوع فيه إلا بتصرف يزيل الملك.
قال: وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كان الرهن مفسوخا) أراد على هذا القول.
و [الثاني] : منهم من قال: لا يصح الرهن، قولا واحدا، وعليه يدل ظاهر قوله في " الأم "[٣/١٤٠] ؛ لأنه قال:(إذا دبر عبده، ثم رهنه.. كان الرهن مفسوخا. ولو قال: كنت رجعت عن التدبير قبل الرهن.. فهل يصح الرهن؟ فيه قولان) .
وهذا نص في أنه لا يصح الرهن قبل الرجوع، قولا واحدا، ولأنا وإن قلنا: إن التدبير وصية، إلا أنه أقوى من الوصية، بدليل: أنه يتنجز بالموت من غير قبول، بخلاف الوصية.
و [الثالث] : منهم من قال: يصح الرهن، قولا واحدا، ولا يبطل التدبير؛ لأن الشافعي قال:(كل ما جاز بيعه.. جاز رهنه) . والمدبر يجوز بيعه، قولا واحدا، فكذلك رهنه.
قال ابن الصباغ: والطريقة الأولى أصح، والثانية ظاهر كلامه، والثالثة مخالفة للنص والقياس.
فإذا قلنا بالطريقة الأولى، وأن الرهن يصح إذا قلنا: إن التدبير وصية.. فإن التدبير يبطل، وهو اختيار المزني. فإن قضى الحق من غيره.. فلا كلام، ولم يعتق العبد بالموت إلا بتدبير ثان أو عتق، وإن لم يقضه من غيره.. بيع العبد في الدين.
وإن قلنا بالطريقة الثانية، وأن الرهن لا يصح.. فالعبد على تدبيره.
وإن قلنا بالطريقة الثالثة، وأن الرهن صحيح، والتدبير صحيح ... نظرت:
فإن حل الحق، وقضى الحق من غير الرهن.. بقي العبد على تدبيره.
وإن لم يقضه من غيره.. قيل له: أترجع في التدبير؟ فإن اختار الرجوع فيه