وإن قلنا: لا ينفذ إحباله، ولا تصير أم ولد.. فإنما نريد بذلك: أنها لا تصير أم ولد للراهن في حق المرتهن، ولا يبطل به الرهن.
قال الشيخ أبو حامد: وإن أراد الراهن أن يهبها من المرتهن.. لم تصح الهبة.
فعلى هذا: يكون الولد حرا ثابت النسب من الراهن، فما دامت حاملا لا يجوز بيعها؛ لأنها حامل بحر، ولا يجوز بيعها واستثناء الولد عن البيع، كما لا يجوز استثناء بعض أعضائها، ولا يجوز بيعها مع الولد؛ لأن الحر لا يصح بيعه.
فإن ماتت من الولادة.. وجب على الراهن قيمتها؛ لأنها هلكت بسبب من جهته تعدى به، فلزمه ضمانها، كما لو جرحها، فماتت منها، ومتى تعتبر قيمتها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تعتبر قيمتها حين وطئها؛ لأنه حين الجناية، كما لو جرحها، وماتت.. فإن قيمتها تعتبر يوم جرحها.
والثاني: تعتبر قيمتها أكثر ما كانت من حين وطئها إلى أن ماتت، كما لو غصب جارية، وأقامت في يده، ثم ماتت.
والثالث ـ وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ـ: أن قيمتها تعتبر حين ماتت؛ لأن التلف حصل به. وحكي: أن أبا علي ألزم إذا جرحها، فسرى إلى نفسها، فالتزم ذلك، وقال: يجب قيمتها يوم موتها.
قال أصحابنا: وهذا خطأ، بل تعتبر قيمتها يوم الجراحة، وإن لم تمت، ولكن نقصت قيمتها بالولادة.. لزم الراهن أرش النقص، فإن شاء.. جعل ذلك رهنا، وإن شاء.. جعله قصاصا من الحق.
وإن ولدت.. فلا يجوز بيعها قبل أن تسقي الولد اللبأ؛ لأن الولد لا يعيش إلا به، فإذا سقته اللبأ.. نظرت:
فإن لم توجد له مرضعة.. لم يجز بيعها حتى تفطمه؛ لأن ذلك يؤدي إلى تلفه.
وإن وجد من ترضعه غيرها.. جاز بيعها بحق المرتهن.
فإن قيل: كيف جاز التفريق بينها وبين الولد؟ قيل: إنما لا يجوز التفريق بينهما إذا كان يمكن الجمع بينهما في البيع، وهاهنا لا يجوز بيع الولد، فلذلك فرق بينهما.