فإن جنى على أجنبي أو أتلف له مالا.. تعلق حق الجناية وغرم المال في رقبته، وكان مقدما على حق المرتهن؛ لأن حق المجني عليه يقدم على حق المالك، فلأن يقدم على حق المرتهن أولى، ولأن أرش الجناية تعلق برقبة العبد بغير اختيار المجني عليه، وحق المرتهن تعلق برقبة العبد باختيار المرتهن، والحق المتعلق بغير اختيار من له الحق آكد من الحق الذي يثبت له اختياره، كالميراث، والبيع، ألا ترى أن ما ملكه بالميراث.. ملكه بغير اختياره؟ فلذلك لم يلحقه الفسخ، وما ملكه بالبيع.. ملكه باختياره؟ فلذلك يلحقه الفسخ.
إذا ثبت هذا: فإن كانت الجناية عمدا على النفس، فاقتص منه الولي.. بطل الرهن. وإن كانت عمدا فيما دون النفس، واقتص منه المجني عليه.. بقي الرهن في الباقي. وإن كانت الجناية خطأ، أو عمد خطأ، أو عمدا، وعفا المجني عليه على مال، فإن لم يختر السيد أن يفديه.. بيع العبد في الجناية إن كان الأرش يستغرق قيمته، وإن كان الأرش لا يستغرق قيمته.. بيع منه بقدر أرش الجناية، وكان الباقي منه رهنا. إلا أن يتعذر بيع بعضه فيباع جميعه، ويكون ما بقي من الثمن عن قدر الأرش رهنا، وإن فداه السيد أو أجنبي، أو أبرأه المجني عليه من حقه.. كان العبد رهنا؛ لأن الجناية لم تبطل الرهن، وإنما قدم الأرش على حق المرتهن، فإذا سقط حق المجني عليه.. بقي الرهن كما كان، كما قلنا في حق المرتهن والمالك. وإن فداه المرتهن بغير إذن الراهن.. لم يرجع عليه بما فداه به. وإن فداه بإذنه ليرجع به عليه.. رجع به عليه. وإن فداه بإذنه، ولم يشترط الرجوع.. فهل يرجع به عليه؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما في الجراح. وإن فداه على أن يرجع بما فداه به، ويكون العبد رهنا به وبالدين الأول، ورضي السيد بذلك.. رجع على السيد بما فداه به، وهل يكون العبد رهنا بما فداه به؟ فيه طريقان، مضى ذكرهما. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا جنى العبد المرهون.. كان ضمان الجناية على المرتهن، فإن فداه..كان العبد مرهونا كما لو كان، ولا يرجع بالفداء. وإن بيع في الجناية، أو فداه السيد.. سقط دين المرتهن إن كان قدر الفداء أو دونه) . وبنى هذا على أصله: أن الرهن مضمون على المرتهن، فتكون جنايته مضمونة عليه،