ذلك، ولا لهم أن يطالبوه بذلك، لأنهم يقرون أنها ملك للبائع دون المفلس، ولكن يصرف إليهم سائر أمواله، ويفك عنه الحجر، ويتصرف في الثمرة كيف شاء، وإن اختار المفلس دفع الثمرة إلى الغرماء.. فهل يجبر الغرماء على قبولها؟ فيه وجهان:
أحدهما - وهو المذهب، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره -: أنهم يجبرون، فيقال لهم: إما أن تقبلوها، أو تبرئوه من قدرها من دينكم، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (المكاتب) إذا حمل إلى سيده مالا عن كتابته، فقال للسيد: هو حرام: (إنه يلزمه أن يأخذه، أو يبرئه من قدره مما له عليه) .
والثاني: لا يلزمهم ذلك، وذلك لأنهم يقرون أن المفلس لا يملك ذلك، ويفارق سيد المكاتب؛ لأنه يريد الإضرار بالعبد، ورده إلى الرق، فلم يقبل منه، ولا ضرر على المفلس في ذلك.
فإذا قلنا بالأول، وقال الغرماء: نحن لا نأخذ الثمرة، ولكنا نفك الحجر عنه، وتؤخر حقوقنا.. فهل للمفلس الامتناع؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في (الإبانة) ق \ ٢٧٢] .
فإن اختار الغرماء أن يبرئوا المفلس من قدر الثمرة من الدين، فأبرؤوه من ذلك.. فلا كلام. وإن لم يختاروا أن يبرئوه، فإن كان دينهم من جنس الثمرة.. وجب عليهم أخذها، وكذلك إذا لم يكن دينهم من جنس الثمرة، واختاروا أخذ الثمرة عن دينهم، فإن كان دينهم من غير السلم.. جاز، وبرئت ذمة المفلس من ذلك، فإذا أخذوا ذلك.. لم يملكوه، ولكن يلزمهم رد ذلك إلى البائع؛ لأنهم قد أقروا أنها ملكه، وإنما لم يقبل إقرارهم لحق المفلس، فإذا زال حقه.. لزمهم حكم إقرارهم الأول، كما لو شهد رجلان على رجل: أنه أعتق عبده، فلم تقبل شهادتهما عليه، ثم انتقل العبد إليهما، أو إلى أحدهما بإرث أو بيع.. فإنه يعتق عليهما بالإقرار السابق. وإن كانت حقوقهم من غير جنس الثمرة.. فإنه لا يلزمهم قبول الثمرة بعينها، ولكن تباع الثمرة، ويدفع إليهم الثمن.