زيد وعمرو، فقال زيد لعمرو: أحلني بالألف التي عليك لي بالألف التي لك على خالد - بلفظ الحوالة - وقال عمرو: بل وكلتك أن تقبضها لي منه - بلفظ الوكالة - فالقول قول عمرو؛ لأنهما اختلفا في لفظه، وهو أعلم بلفظه، ولأنه قد ثبت استحقاق عمرو للألف في ذمة خالد، وزيد يدعي أن ملكها قد انتقل إليه بالحوالة، والأصل بقاء ملك عمرو عليها، وعدم ملك زيد.
وإن قال عمرو لزيد: أحلتك على خالد بالألف التي لي عليه، فقبل زيد، ثم اختلفا: فقال عمرو: وكلتك لتقبضها لي منه، ومعنى قولي: أحلتك، أي: سلطتك عليه. وقال زيد: بل أحلتني عليه بديني الذي لي عليك.. فاختلف أصحابنا [على وجهين] :
فـ[الوجه الأول] : قال المزني: القول قول المحيل، وهو عمرو، وبه قال الشيخ أبو حامد، والطبري، وأبو إسحاق، وأبو العباس، وأكثر أصحابنا، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنهما قد اتفقا على ملك عمرو للألف التي في ذمة خالد، واختلفا في انتقالها إلى زيد؛ وهو المحتال، فكان القول قول عمرو؛ لأن الأصل بقاء ملكه عليها وإن كان الظاهر مع زيد، كما لو كان لرجل عبد في يد آخر، فادعى من هو في يده أن مالكه وهبه منه، وقال المالك، بل أعرتكه.. فالقول قول المالك، وكما لو كانت دار في يد رجل، فادعى رجل أنه ورثها من أبيه، أو ابتاعها، وأقام على ذلك بينة، وادعى من هي بيده أنها ملكه.. فإنه يحكم بها لصاحب البينة؛ لأنه قد عرف له أصل ملك، وإن كان الظاهر مع صاحب اليد.
والوجه الثاني - حكاه الشيخ أبو إسحاق، وابن الصباغ، عن أبي العباس -: أن القول قول زيد، وهو المحتال؛ لأن اسم الحوالة موضوع لتحويل الحق من ذمة إلى ذمة، فكان اللفظ يشهد له، كما لو تنازعا دارا وهي في يد أحدهما.. فالقول قوله. والأول أظهر.
فإذا قلنا: إن القول قول المحيل، فحلف.. ثبتت الوكالة له، فإن كان زيد قد قبض الحق من خالد.. فقد برئت ذمة خالد؛ لأنه دفع دفعا مأذونا فيه، إما من جهة الحوالة أو الوكالة. فإن كان الحق باقيا في يد القابض.. لزمه دفعه إلى المحيل