فالقول قول المالك مع يمينه في قدرها؛ لأن المودع يمكنه إقامة البينة عليها.
المسألة الثانية: أن يودعه إياها، ولم يأمره بالعلف والسقي، ولا نهاه عن ذلك، فيلزم المودع أن يعلفها ويسقيها.
وقال أبو حنيفة:(لا يلزمه ذلك) .
دليلنا: أن للبهيمة المودعة حرمة لمالكها، وحرمة بنفسها، بدليل ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«اطلعت على النار ليلة عرج بي إلى السماء، فرأيت امرأة تعذب، فقلت: ما بالها؟ فقيل: إنها ربطت هرة لها، فلم تطعمها، ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، فهي تعذب لأجل ذلك» . فإذا سكت المودع.. لم يسقط بذلك حق البهيمة.
إذا ثبت هذا: فإن المودع يرفع الأمر إلى الحاكم، ثم ينظر الحاكم الحظ لصاحبها، فإن أراد أن يبيعها كلها، ويحفظ ثمنها لصاحبها.. فعل، وإن أراد أن يبيع جزءا منها للإنفاق على باقيها، أو يؤجرها وينفق الأجرة عليها.. فعل، وإن رأى أن يقترض على المالك من المودع، أو من غيره.. فعل، فإن اقترض من غير المودع، وأمر المودع بإنفاق ذلك.. جاز، وإن اقترض من المودع، فقبضه منه، ثم رده إليه، وأمره بإنفاق ذلك.. جاز، وإن أمره بالإنفاق عليها قرضا على المالك.. فهل يجوز ذلك؟ فيه وجهان، بناء على القولين في نفقة الحمال في الإجارة، فإذا قلنا: يجوز.. فهل يقدر له الحاكم قدر النفقة، أو يكله إلى اجتهاده؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ.
وإن أنفق عليها المودع من غير إذن الحاكم، فإن كان قادرا على الحاكم.. لم يرجع بما أنفق؛ لأنه متطوع، وإن لم يقدر على الحاكم، فإن لم ينو الرجوع، ولم يشهد.. لم يرجع؛ لأن الظاهر أنه متطوع، وإن أشهد على الإنفاق ليرجع ـ قال ابن