فإن ترك المودع علفها وسقيها مدة تموت فيها في الغالب من عدم العلف والسقي.. أثم المودع والمودع؛ لما ذكرناه، وهل يجب على المودع ضمانها؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو سعيد الإصطخري: يلزمه الضمان؛ لأنه منهي عن ترك العلف والسقي لحق الله تعالى، فإذا تركهما، فتلفت بذلك.. لزمه الضمان.
و [الثاني] : قال أبو العباس: لا يلزمه الضمان. وهو الأصح؛ لأن ضمان القيمة يجب للمالك، وقد أذن بما يوجب التلف، فلم تجب له القيمة، كما لو قال: اقتل عبدي، فقتله، أو احبسه عن الطعام والشراب إلى أن يموت، ففعل إلى أن مات.. فلا يجب عليه القيمة.
إذا ثبت ما ذكرناه ـ من وجوب العلف في هذه المسائل ـ: فإن علفها المودع، وسقاها بنفسه في منزله.. فهو النهاية في الاحتفاظ، وإن أمر بذلك خادمه أو غيره.. جاز، ولا ضمان عليه. واختلف أصحابنا في تعليله:
فقال أكثرهم: لأن العادة جرت في علف البهائم وسقيها هكذا.
وقال أبو العباس: لأنه لم يخرجها من يده ونظره، وإنما استعان بغيره، كما قال: إذا استعان بزوجته، أو خادمه على حفظ الوديعة.. فلا ضمان عليه.
وإن علفها، أو سقاها خارج المنزل، فإن كان المنزل ضيقا لا يتمكن من العلف فيه والسقي.. جاز، ولا ضمان عليه؛ لأنه موضع ضرورة، وإن كان يمكنه أن يفعل ذلك في منزله.. قال الشافعي:(فعليه الضمان) . واختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو إسحاق: إن كان خارج المنزل آمنا.. فلا ضمان عليه؛ لأن ذلك يجري مجرى منزله، وقد جرت العادة بعلف البهائم والسقي خارج المنزل إذا كان آمنا، وحمل النص عليه إذا كان خارج المنزل مخوفا.
وقال أبو سعيد الإصطخري: يجب عليه الضمان بكل حال؛ لأنه أخرج الوديعة من حرزها لغير عذر، فلزمه الضمان.