وإن لم يبذل المعير قيمة الغراس والبناء، ولا أرش النقص، ولا رضي بالأجرة، وطالب بقلع الغراس والبناء.. لم يجبر المستعير على القلع، سواء كانت الإعارة مطلقة أو مقيدة بمدة.
وقال أبو حنيفة:(إن كانت الإعارة مطلقة.. فله مطالبته بقلعه أي وقت شاء، ولا ضمان على المعير، وإن كانت مقيدة.. فليس له مطالبته بالقلع قبل انقضاء المدة من غير ضمان) دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس لعرق ظالم حق» . وهذا غير ظالم، فوجب أن يكون له حق.
ولأنه غرس مأذون فيه، ولم يشرط عليه القلع، فلم يلزمه القلع من غير عوض، كما لو كانت العارية مؤقتة.
إذا ثبت هذا: ولم يبذل المعير العوض، ولا رضي المستعير بالقلع.. فإن الغراس يقر في الأرض، فإن اتفقا على البيع.. بيعا، ويقسم الثمن بينهما على قيمة الغراس والأرض، فيقوم الغراس قائما وهو في غير ملك الغارس، ثم تقوم الأرض وفيها الغراس، ولا يكون الغراس داخلا، ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما، وإن امتنعا من البيع.. أقر الغراس، ويقال لهما: انصرفا، فلا حكم لكما عندنا حتى تصطلحا على شيء، وللمعير أن يدخل إلى أرضه، ويغرس، ويزرع في بياضها، ويستظل تحت غرس المستعير؛ لأنه ملكه، ولكن لا يستند إلى جذوع غرس المستعير، وإن أراد بيع أرضه من المستعير وغيره.. كان له ذلك؛ لأنهما ملكه.
وأما المستعير: فإن أراد دخول الأرض للتفرج والاستراحة.. لم يكن له ذلك؛ لأن الأرض للمعير، وقد رجع في عاريتها، وإن أراد دخولها لسقي الشجر، وأخذ الثمرة، وإصلاحها.. ففيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك؛ لأن المعير قد رجع في عارية الأرض، ولم يبق للمستعير إلا إقرار الغراس في مواضعه، فلم يكن له التخطي في ملك غيره.