قال ابن الصباغ: وهكذا: إذا رجع بعد وضع الجذوع وقبل البناء عليها.. صح الرجوع، ووجب، على المستعير رفعها؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وإن وضع الجذوع، وبنى عليه، ثم رجع المعير.. فهل له أن يطالبه بقلعها، ويضمن له أرش ما يدخل عليه من النقص؟ فيه وجهان، حكاهما المحاملي:
أحدهما ـ قال في " الفروع ": وبه الفتوى ـ: أن ذلك كما قلنا فيمن أعار غيره أرضا للبناء أو الغراس، فبنى فيها، أو غرس.
والثاني ـ وهو المشهور، ولم يذكر الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ غيره ـ: ليس له ذلك؛ لأنه إذا قلعها.. انقلع ما في ملك المستعير، وليس له أن يقلع شيئا من ملك المستعير بضمان القيمة، بخلاف الغراس، فإن قال المعير: أنا أدفع قيمة الأجذاع وأتملكها.. لم يكن له ذلك، والفرق بينهما وبين الغراس: أنه إذا دفع قيمة الغراس.. انتفع به؛ لأنه في ملكه، وهاهنا لا ينتفع بما يدفع عنه القيمة، وهو أطراف الأجذاع؛ لأن أطرافها الأخرى في ملك المستعير. قال الصيدلاني: وإن استعار من جاره حائطين، فوضع عليهما خشب ساباط.. فللمعير أن يرجع بشرط أن يضمن النقص؛ لأن الحائطين له، فلا ضرر على المستعير بذلك، بخلاف ما إذا كان أحد الحائطين للمستعير.
فإن انهدم الحائط المعار.. قال ابن الصباغ: فإن بناه المعير بغير آلته الأولى.. لم يكن للمستعير رد الأخشاب عليه بغير إذنه، وإن بناه بآلته الأولى.. ففيه وجهان:
أحدهما: له أن يعيد خشبه بغير إذنه، لأن العارية تقتضي التأبيد.
والثاني: ليس له أن يعيدها بغير إذنه، وهو الصحيح؛ لأنه إنما لم يكن له الرجوع قبل الانهدام؛ لأن على المستعير الضرر بذلك، وهاهنا لا ضرر عليه.