وإن كان المقر له غائبا.. أخذه الحاكم من المقر، ودفعه إلى الشفيع، وكان القادم على حجته إذا قدم؛ لأنا إذا وقفنا الأمر بالشفعة إلى حضور المقر له.. كان في ذلك إسقاط الشفعة؛ لأن كل مشتر يمكنه أن يدعي: أنه اشتراه لغائب.
وإن قال: اشتريته لابني الصغير، أو لطفل له عليه ولاية.. ففيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: لا تثب الشفعة؛ لأن الملك يثبت للطفل، ولا تثبت الشفعة بإقرار الولي؛ لأن في ذلك إيجاب حق في مال الصغير بإقرار الولي.
والثاني: تثبت الشفعة؛ لأنه يملك الشراء له، فصح إقراره فيه، كما يصح في حق نفسه.
وإن قال المدعى عليه: هذا الشقص لفلان الغائب، أو لفلان الصغير.. قال ابن الصباغ: لم يكن للشفيع الشفعة إلى أن يقدم الغائب، ويبلغ الصغير، فيطالبهما بذلك، ولا يسأل عن سبب ملك الغائب والصغير؛ لأن إقراره بعد ذلك إقرار في ملك الغير، فلم يقبل، ويخالف إذا أقر بالشراء لهما ابتداء؛ لأن الملك يثبت لهما بذلك الإقرار، فيثبت جميعه.
فإن قال المدعى عليه للمدعي: ليس لك ملك في الدار.. فعلى مدعي الشفعة أن يقيم البينة: أنه يملك شقصا في الدار، وبه قال أبو حنيفة، ومحمد.
وقال أبو يوسف: إذا كان في يده شيء من الدار.. استحق به الشفعة؛ لأن الظاهر مما في يده أنه ملكه.
دليلنا: أن الملك لا يثبت بمجرد اليد، وإذا لم يثبت الملك المستحق به الشفعة.. لم تثبت الشفعة، فإن أراد المدعي: أن يحلف المدعى عليه: أنه لا يعلم له شركة في الدار.. كان على المدعى عليه أن يحلف: أنه لا يعلم أن له ملكا في الدار؛ لجواز أن يخاف من اليمين، فيقر، وإن نكل عن اليمين.. حلف المدعي: أن له ملكا في الدار، وثبتت شفعته.