وإن استأجر رجل رجلًا من اليمن ليحرم عنه بالحج من الميقات، فلما بلغ الأجير الميقات، أحرم بعمرة عن نفسه، فلما تحلل عنها، أحرم عن المستأجر بحجة من مكة.. لزم الأجير الدم، لا لأجل المنفعة ـ لأنهما عن شخصين ـ ولكن لأجل أنه ترك الإحرام عن المستأجر من الميقات، وهل يلزم الأجير أن يرد شيئًا من الأجرة؟ على ما مضى من الطريقين.
فإذا قلنا: يلزمه أن يرد.. فكيف يقسط؟ فيه قولان:
قال في " الأم ": (يلزمه أن يرد ما بين حجه من الميقات وبين حجه من مكة، بأن يقال: كم أجرة حجة يحرم بها من الميقات؟ فإن قيل: عشرة.. قيل: فكم أجرة حجة يحرم بها من مكة؟ فإن قيل: تسعة.. لزمه أن يرد عشر المسمى؛ لأن الحج إنما هو من الميقات، وما قبله ليس بحج) .
وقال في " الإملاء ": (تقسط الأجرة هاهنا على المسافة والعمل) . فيقال: كم أجرة حجة يسافر لها من اليمن، ويحرم بها من الميقات؟ فإن قيل: عشرون.. قيل: وكم أجرة حجة يسافر لها من اليمن، ويحرم بها من مكة؟ فإن قيل: عشرة.. لزمه أن يرد نصف المسمى؛ لأنه استأجره على عمل وسفر، وقد جعل السفر عن نفسه، فرد ما في مقابلته.
والفرق بين هذه المسألة على هذا القول والتي قبلها: أن هاهنا صرف المسافة إلى نفسه؛ لأنه اعتمر عن نفسه من الميقات، وفي التي قبلها لم يصرف المسافة إلى نفسه، بل قطعها عن المستأجر؛ لأنه أحرم بالنسك عنه، وإنما ترك بعض العمل. هذا ترتيب الشيخ أبي حامد.
قال ابن الصباغ: ومن أصحابنا من قال: تقسط على حجة من اليمن وحجة من مكة؛ لأن سفره كان لنفسه. قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر؛ لأنه لا يعلم ذلك.