و (الماء العد) : هو الذي لا ينقطع، وأراد: أنه بمنزلة ما لا ينقطع من الماء.
فإن قيل: في الخبر ما يدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطعه إياه، ثم تبين أنه أخطأ فاسترده، وأن الخطأ عليه جائز.. قلنا: عن هذا أجوبة:
أحدها: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كان أقطعه إياه ولم يخطئ في الحكم، وإنما أخطأ في الصورة؛ لأنه ظن أنه معدن باطن يحتاج الانتفاع به إلى نفقة ومؤنة، فلما أخبر أنه معدن ظاهر لا يحتاج إلى نفقة ومؤنة.. امتنع.
والثاني: أنه وإن أخطأ في الحكم فالخطأ في الحكم جائز على الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، وإنما لا يقرهم الله عليه بخلاف غيرهم، فإنهم يخطئون ويقرون عليه.
والثالث: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن أقطعه، وإنما أراد أن يقطعه، فلما أخبر أنه كالماء العد.. امتنع من إقطاعه.
فعلى هذا: لم يخطئ في حكم ولا في صورة، بل كان وعده، ثم استقاله؛ لتطيب نفسه من النفقة.
وأما المعادن الباطنة ـ وهي: المعادن التي لا يتوصل إلى أخذ ما فيها إلا بحفر بعد حفر ـ كمعادن الذهب والفضة: فإن قلنا: يجوز تملكها بالإحياء.. جاز إقطاعها، كما قلنا في الموات، وإن قلنا: لا تملك بالإحياء.. فهل يجوز إقطاعها؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز إقطاعها؛ لأنها لا تملك بالإحياء، فلم يجز إقطاعها، كالمعادن الظاهرة.
والثاني: يجوز إقطاعها؛ لما روي:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية، جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم، وأخذ منه الزكاة» ، ولأنه يجوز إقطاع ما لا يملك بالإحياء، كمقاعد الأسواق والطرق.