إذا حفر الرجل بئرًا في ملكه.. فالبئر ملك له؛ لأن من ملك أرضًا ملكها إلى القرار، فإن نبع فيها ماء فهل يملكه؟ على وجهين، مضى ذكرهما في البيوع.
وإن حفر الرجل بئرًا في موات ليتملكها، فما لم ينبع فيها الماء.. فلا يملكها، لكنه متحجر لها، فإن نبع فيها الماء وكانت صلبة لا تفتقر إلى طي، أو كانت رخوة فطواها.. ملك البئر، وهل يملك ما فيها من الماء؟ على الوجهين.
وإن حفرها في موات لا ليتملكها، ولكن لينتفع بها، فنبع فيها الماء.. فإنه لا يملكها؛ لأنه لم يقصد تملكها، وإنما قصد الارتفاق بها، فلم يملكها. فما دام مقيمًا عليها.. فهو أحق بها؛ لأنه سابق إليها، فإن أزال يده عنها وجاء غيره.. كان أحق بها؛ لأنه ماء مباح.
إذا ثبت هذا: فإن الماء الذي ينبع في البئر التي يملكها، لا يلزمه أن يبذل لغيره منه ما يحتاج إليه لنفسه وماشيته وزرعه وشجره.
وأما ما يفضل عن حاجة نفسه وماشيته وزرعه وشجره: فيجب عليه أن يبذله لماشية غيره إذا كان بقرب هذا الماء كلأ مباح لا يمكن للماشية رعيه إلا بأن تشرب من هذا الماء، فيلزم مالك الماء بذل الماء بغير عوض. وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال أبو عبيدة بن حرب: لا يلزمه ذلك، وإنما يستحب له بذله، كما لا يلزمه بذل الكلأ في أرضه لماشية غيره.
ومن الناس من قال: يلزمه بذله بعوض، كبذل الطعام للمضطر. والأول أصح؛ لما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ» .