وإذا كان المنشد هو المعرف.. كان معناه أنها لا تحل إلا للمعرف لها إذا لم يجد صاحبها.
والمذهب الأول؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا}[العنكبوت: ٦٧][العنكبوت:٦٧] وما وصفه الله تعالى بالأمن لا يجوز أن يضيع فيه مال الغير.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا تحل لقطة الحاج» .
وعموم الخبر يقتضي: لا تحل لقطة الحاج بمكة، ولا بغيرها، فأجمع المسلمون على أنها تحل بغير مكة، وبقي الحرم على ظاهر الخبر.
وأما الخبر الأول: فأراد به أنه لا يحل للمنشد منها إلا إنشادها، فأما للانتفاع بها.. فلا تحل له، إذا لو حل له تملكها لما كان لمكة مزية على غيرها من البلاد. والخبر ورد في بيان فضيلة مكة على غيرها.
وقيل: أراد بقوله: (إلا لمنشد) أي: لا تحل إلا لصاحبها الذي يطلبها، وسماه منشدا. وهذا حسن في الفقه، ولكن لا يجوز في اللغة أن يسمى الطالب منشدا، وإنما هو ناشد.
ولأن مكة بلد صغير، وينتابها الناس من الآفاق، فإذا عرفنا اللقطة فيها.. استشاع التعريف فيها، فإن كانت لأحد من أهلها.. تعرفها في الحال وأخذها.
وإن كانت لمن ينتابها من الناس من غيرها وقد راح إلى أهله.. فلا يخلو أن يخرج من بلده غيره، من صديق له أو قريب، فيمكنه أن يتعرفها له، فكان الحظ في تركها وحفظها إلى أن يجيء صاحبها؛ لأن الظاهر أنها تصل إليه وليس كذلك سائر البلاد؛ لأن البلد قد يكون كبيرا لا يستشيع التعريف فيه إن كانت لأهلها، وربما كانت لغريب