وإنما قلنا ذلك؛ لما روى زيد بن خالد: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكاءها» وفي حديث أبي بن كعب «اعرف عددها، ووعاءها، ووكاءها» فنص على هذه الأشياء، وقسنا غيرها عليها؛ لأنها في معناها.
واختلف أصحابنا لأي معنى أمر بتعرف هذه الأشياء؟
فقال أبو إسحاق: يحتمل ثلاثة معان:
أحدها: أن المقصود ما في الوعاء، فنص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على معرفة الوعاء والوكاء وحفظهما؛ لينبه على معرفة ما في الوعاء وحفظه.
والثاني: أن الوعاء والوكاء لا خطر له، والعادة أن الإنسان إذا وجد شيئا ربما يرمي بالوعاء والوكاء، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحفظهما؛ لئلا يرمى بهما.
والثالث: أن الملتقط ربما خلط اللقطة ورفعها في جملة أمواله، فأمر بمعرفة الوعاء والوكاء؛ لكي تتميز عن أمواله ولا تختلط بها.
ومن أصحابنا من قال: إنما أمره بمعرفة ذلك؛ لأن صاحبها ربما جاء ووصفها بذلك، فإن غلب على ظنه صدقه.. جاز له الدفع إليه بذلك.
ومن أصحابنا من قال: إنما أمره بمعرفة ذلك؛ لأنه إذا عرف ذلك أمكنه الإشهاد عليها، والتعريف لها لتكون معلومة بما ذكرناه.
قال الشافعي: (ويكتبها ويشهد عليها) .
قال أصحابنا: يكتبها؛ لئلا ينسى ما عرفه، وذلك مستحب غير واجب.
وأما الإشهاد عليها: فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: يستحب ولا يجب، فإن تركه.. لم يجب عليه ضمانها. وبه قال مالك؛ لحديث زيد بن خالد، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمره بالإشهاد عليها، ولأنه آخذ أمانة، فلا يجب الإشهاد عليها، كالوديعة.
والثاني: يجب الإشهاد عليها، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: (إن لم يشهد عليها.. ضمنها) ؛ لما روى عياض بن حمار: أن