والثاني: لا يصح؛ لأن قوله يثبت به النسب وتلزم به الأحكام، فلم يصح من الصبي بخلاف الكون مع أحد الأبوين.. فإنه غير لازم. وأما إذا كان هناك بينة، فإن كانت مع أحدهما دون الآخر.. حكم لصاحب البينة؛ لأن البينة أقوى من الدعوى، كما قلنا في الملك. وإن كان مع كل واحد منهما بينة.. تعارضتا. وفي البينتين إذا تعارضتا قولان:
أحدهما: أنهما تسقطان. وهو الصحيح.
فعلى هذا: يكون كما لو لم يكن هناك بينة، فيعرض على القافة.
والثاني: أنهما تستعملان، وفي الاستعمال ثلاثة أقوال:
أحدها: القسمة. والثاني: الوقف. والثالث: القرعة. ولا تجيء ها هنا القسمة ولا الوقف؛ لأن القسمة لا تمكن، والوقف يضر باللقيط. وهل تجيء ها هنا القرعة؟ فيه وجهان:
(الوجه الأول) : قال الشيخ أبو حامد: يقرع بينهما. فمن خرجت له القرعة.. حكم له بالنسب، وهل يحلف من خرجت له القرعة؟ فيه قولان يأتي بيانهما.
و (الثاني) : قال القاضي أبو الطيب: لا يقرع بينهما؛ لأن القرعة لا مدخل لها في النسب، وإنما يعرض على القافة. قال ابن الصباغ: وهذا أقيس.
فإن ادعى الملتقط نسب اللقيط.. ثبت نسبه منه. فإن جاء آخر وادعى أنه ابنه، فإن أقام الثاني بينة، ولا بينة مع الملتقط.. لحق النسب بالثاني؛ لأن البينة أقوى من الدعوى واليد. وإن أقام الأول بينة أيضًا.. تعارضت البينتان، وكان الحكم فيه ما مضى في تعارض البينتين.
فإن قيل: هلا قدمتم بينة الملتقط كما قدمتم بينة صاحب اليد في الملك؟
قلنا: لا نقول ذلك؛ لأن اليد لا تدل على الأنساب، وإنما تدل على الأملاك، ولأن الملك قد يحصل باليد- وهو: الاصطياد والاغتنام- والنسب لا يحصل باليد بحال.