الهبة أو العتق، فإن فعل ذلك متفرقا، مثل: أن أعتق عبدا ثم أعتق عبدا، أو حابى ثم حابى.. فإنه يبدأ بالأول فالأول. فإن استوفى الثلث بالأول.. لزم، وكان ما بعده موقوفا على إجازة الورثة. وإن بقي من الثلث شيء بعد الأول.. لزم من الثاني بقدر ما بقي من الثلث، وما زاد على الثلث موقوف على إجازة الورثة؛ لأن المريض لا ينفذ تبرعه إلا في ثلث التركة، وقد سبق الأول، فقد لسبقه، فلزم في حق الورثة.
وإن وقعت تبرعاته في حالة واحدة.. نظرت: فإن كانت عتقا، بأن قال لجماعة عبيد: أعتقتكم.. أقرع بينهم، ويعتق منهم قدر ثلث التركة؛ لما روى عمران بن الحصين:«أن رجلا أعتق في مرض موته ستة مملوكين له، فأقرع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم بعد موته، فأعتق اثنين وأرق أربعة» .
وإن كانت تبرعاته محاباة أو هبة، بأن باع جماعة بكلمة واحدة وحاباهم، أو وهبهم وأقبضهم في حالة واحدة، أو وكل من فعل ذلك عنه، ووقع ذلك في حالة واحدة.. قسط الثلث بينهم على قدر محاباتهم.
والفرق بين العتق وغيره من التبرعات: أن القصد من العتق تكميل الأحكام، ولا يحصل ذلك إلا بعتق جميع الرقبة، والقصد من غير العتق الملك للموصى له، وذلك يحصل وإن ملك الموصى له بعض ما وصي له به.
وإن كانت تبرعاته في أجناس من التصرفات، مثل أن أعتق وباع وحابى ووهب وأقبض: فإن وقع ذلك في حالة واحدة، مثل أن وكل من يبيع من رجل بيعا فيه محاباة، ووكل آخر يهب من رجل عينا ويقبضه، وأعتق هو أو وكيله عبدا، أو وقعت هذه التصرفات في حالة واحدة، ولم يحتمل الثلث جميعها.. قسط الثلث بين الجميع على التساوي إن تساوت عطاياهم، وعلى التفاضل إن تفاضلت؛ لأنه لا مزية لبعضهم على بعض في السبق. وإن وقعت هذه التصرفات متفرقة.. قدم الأول فالأول على ما ذكرناه في الجنس الواحد.
وقال أبو حنيفة:(إن حابى أولا ثم أعتق.. قدمت المحاباة. وإن أعتق أولا ثم حابى.. سوى بينهما؛ لأن العتق حق لله تعالى، والمحاباة حق للآدمي، فلم يقدم حق الله، كما لو أعتق المريض عبدا ثم أقر بدين لآدمي، فإن الدين مقدم) .