أحدهما: يصير مستعملًا، ويخرج من جنابته؛ لأن الاستعمال حصل بجميعه، والاستعمال مانع من طريق الحكم، فلا تؤثر فيه الكثرة.
والثاني - وهو الأصح -: أنه يخرج من جنابته ولا يصير الماء مستعملًا؛ لأن حكم النجاسة أقوى من حكم الاستعمال. ولو وقعت فيه نجاسة لم تزل حكمه من غير تغيير، فالاستعمال بذلك أولى.
قلت: ولو أن جنبًا انغمس في البحر بنية الغسل من الجنابة، لم يكن لأحد أن يقول: إنه صار مستعملًا، فكذلك ما دونه مما دخل في حد الكثرة، إذ لا فرق بينهما في الحكم.
وإن أدخل الجنب يده في ماء قليل بنية الاغتراف، لم يصر الماء مستعملًا؛ لأن النية شرط في صحة الغسل عندنا، ولم توجد. وإن أدخلها فيه بنية رفع الجنابة، صار الماء مستعملًا، وخرج من جنابته في اليد، كما لو أفاض الماء عليها بنية غسل الجنابة.
وإن انغمس الجنب في ماء قليل بنية غسل الجنابة.. ففيه وجهان:
أحدهما - وهو قول أبي عبد الله الخضري من أصحابنا -: أن الماء يصير مستعملًا، ولا يخرج من جنابته.
ووجهه: أنه لما لاقى أول جزء من بدنه أول جزء من الماء.. صار الماء مستعملًا بأول الملاقاة، فإذا انغمس فيه.. صار منغمسًا في ماء مستعمل.
والوجه الثاني: أنه يخرج من جنابته، ولا يصير الماء مستعملًا إلا بالانفصال عنه، فلو توضأ منه رجل، أو اغتسل قبل أن ينفصل الأول عنه.. صح، وهو المنصوص.
ووجهه: أنا لو قلنا: إنه يصير مستعملًا بأول ملاقاته لجزء من بدنه.. لوجب أن يصير الماء الذي يفيضه على عضو من أعضاء الطهارة مستعملًا بأول ملاقاته لأول العضو، وهذا لا يقوله أحد.