وأما الضرب الثالث: وهو العتق المعلق بصفة فيها معاوضة والمغلب فيه حكم الصفة: فهو الكتابة الفاسدة، بأن يكاتب عبده على خمر أو خنزير أو شرط فاسد، فإن المعاوضة فيها يبطل حكمها؛ لفساد العقد، وتبقى الصفة وهذه صفة جائزة من الطرفين.
فإن امتنع العبد من الأداء.. لم يجبر عليه؛ لأنه إذا لم يجبر على الأداء في الكتابة الصحيحة.. فلأن لا يجبر على الأداء في الكتابة الفاسدة أولى. وللسيد أيضا أن يبطل الصفة؛ لأن السيد إنما دخل في العقد ورضي بالصفة.. ليسلم له العوض الذي شرطه، ولم يسلم له، فكان له الرجوع فيها.
وكيفية الرجوع: هو أن يقول: قد رجعت في الصفة وأبطلتها.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (ويُشهد على ذلك) .
قال أصحابنا: لم يرد بهذا: أن الإشهاد شرط في صحة الرجوع، وإنما هو ليثبت أنه قد رجع فيها وأبطلها. وللسيد أن يبطل الصفة بنفسه من غير حاكم؛ لأنه مجمع عليه، فهو كفسخ البيع للعيب.
فإن جن المولى، أو أغمي عليه، أو حجر عليه لسفه قبل الأداء.. بطلت الصفة، ولم يعتق العبد بأداء العوض بعد ذلك؛ لأنه عقد جائز، فبطل بالجنون والإغماء، كالوكالة والشركة.
ولو علق عتق عبده على دخول الدار، فجن المولى أو أغمي عليه.. لم تبطل الصفة؛ لأن المولى لا يملك إبطال الصفة المجردة، بل هي لازمة مع بقاء الملك. هذا هو المنصوص.
وحكى المحاملي: أن الشيخ أبا حامد قال: عندي أن الصفة في الكتابة الفاسدة لا تبطل بجنون المولى، كما لا يبطل العتق المعلق بدخول الدار، وحمل النص على أن السيد إذا قبض في حال جنونه.. لم يعتق العبد؛ لأنه قبض غير صحيح، فلا يقع به العتق.