وبقي نصيبه على الكتابة، ويكون المنكر بالخيار: بين أن يطالب المكاتب بخمسمائة؛ لأنه قد ثبت أنه ما قبض شيئا منها، وبين أن يرجع على شريكه المصدق بمائتين وخمسين ـ وهو نصف ما قبض ـ لأن كسب المكاتب مشترك بين سيديه، فلا يجوز أن يخص أحدهما بشيء منه، ويرجع على المكاتب بمائتين وخمسين؛ لأنه لم يثبت أنه قبض منه شيئا من الكتابة.
فإذا حصل للمنكر الخمسمائة، إما من المكاتب وإما من المكاتب ومن المصدق.. عتق نصيبه، ولا يرجع المكاتب على المصدق بما أخذه منه المنكر، وكذلك لا يرجع المصدق على المكاتب بما أخذه منه المنكر؛ لأن كل واحد منهما يقر أن الذي ظلمه هو المنكر، فلا يرجع على غير من ظلمه.
فإن قيل: فالمكذب منكر لقبض المصدق نصيبه.. فكيف يرجع عليه؟
قلنا: إقرار المصدق يوجب له الرجوع عليه، وإنكاره لا يمنعه من الرجوع؛ لجواز أن يكون المصدق قبض بغير علم المنكر.
فإن عجز المكاتب عما لزمه أداؤه إلى المنكر.. كان له تعجيزه فإذا عجزه.. عاد نصفه رقيقا له، ونصفه قد عتق بإقرار المصدق، ويكون ما بقي في يد المكاتب من الكسب بينه وبين المنكر نصفين.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يقوم نصيب المنكر هاهنا على المصدق؛ لأن التقويم لحظ العبد لتكميل أحكامه، والعبد يزعم أنه حر، وإنما استرق المنكر نصفه ظلما) .
المسألة الثانية: إذا قال المكاتب لأحد الشريكين: دفعت إليك جميع الألف لتأخذ نصفها لك وتدفع إلى شريكك نصفها، فقال الذي ادعى عليه المكاتب: لم تدفع إلي جميع الألف، وإنما دفعت إلي نصف الألف وإلى شريكي نصف الألف، فقال الشريك: ما دفع إلي شيئا.. فيعتق نصيب الذي أقر أنه قبض نصف الألف، ويحلف للمكاتب: أنه ما قبض منه إلا خمسمائة، ولا تقبل شهادته على شريكه؛ لأن المكاتب لا يدعي عليه أنه قبض، ولأنه يدفع بهذه الشهادة عن نفسه غرما، ولا يمين