للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودليلنا ـ على أحمد رحمة الله عليه ـ: أن العتق يزيل ملك السيد عن الاستمتاع بأمته، فلا يجوز أن يزول ملكه عن استمتاعها بحق الملك، ويملك استمتاعها بحق النكاح، كما لا يستبيح استمتاعها ببيعها. وأما خبر صفية: فقد روي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتق صفية، وتزوجها» وهذا أزيد، فكان الأخذ به أولى. وإن ثبت الرواية أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.. فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مخصوص بذلك دون غيره.

واختلف أصحابنا في موضع تخصيص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا:

فقال أبو إسحاق: موضع التخصيص منه: أن غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أعتق جارية بشرط أن تتزوج به، أو أعتقها مطلقا.. لم يجز له أن يتزوجها إلا بمهر، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أعتق جارية بشرط أن تتزوج به، أو أعتقها مطلقا.. جاز له أن يتزوجها بغير مهر؛ لأن نكاح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجوز أن يخلو عن المهر، فموضع تخصيصه: خلو نكاحه عن المهر. فقول الراوي: «أعتق صفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وجعل عتقها صداقها» ، يعني: لم يجعل لها شيئا غير العتق.

ومن أصحابنا من قال: موضع تخصيصه من هذا: أن غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أعتق أمة بشرط أن تتزوج به.. لم يلزمها أن تتزوج به وإذا أعتق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمة بشرط أن تتزوج به.. لزمها أن تتزوج به.

ومنهم من قال: موضع التخصيص: أن غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أعتق أمة بشرط أن تتزوج به، ثم أراد أن يتزوج بها على قيمتها.. فلا بد أن يكونا عالمين بقدر قيمتها؛ لأن المهر المجهول لا يصح. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أعتق أمة بشرط أن تتزوج به.. جاز له أن يتزوج بها على قيمتها وإن كانا لا يعلمان قدرها؛ لأن الجهل بالمهر ليس بأكثر من عدمه.

إذا ثبت هذا: وأنه لا يلزمها أن تتزوج به، فرضيت بأن تتزوج به.. لم يجبر السيد عليه؛ لأنه إذا لم يلزمها ذلك.. لم يجبر السيد على قبوله، كما لو أعتقها على خمر أو خنزير، ويلزمها قيمتها لسيدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>