إذا ثبت هذا: فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (فما بقي.. فعليه نصفه) .
وظاهر هذا: أن الخلع يصح بخمسمائة، ويسقط عن ذمته من الخمسمائة الباقية مئتان وخمسون. واختلف أصحابنا في تأويل هذا:
فقال أبو علي بن خيران: أراد الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذا تخالعا علي خمسمائة من الألف وهما يعلمان أن الخلع لا يصح إلا على مائتين وخمسين منها؛ لأن نصفها يسقط عنه بالطلاق قبل الدخول، فإذا علما بذلك.. فقد رضيا أن يكون عوض الخلع مائتين وخمسين لا غير، فإذا بقي على الزوج خمسمائة، سقط عنه نصفها بالطلاق قبل الدخول.
وحكي: أن ابن خيران ألزم، إذا باع عبده وعبد غيره بألف وهما يعلمان أن بيع عبد الغير لا يصح، وأن البيع يصح في عبده بالألف، فالتزمه.
ومن أصحابنا من قال: بل أراد الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذا قال: اخلعيني بما يخصني من خمسمائة مصرحا بذلك.
وقال أبو إسحاق: تأويلها: أن العقد وقع على جميع الخمسمائة؛ لأنها كانت ملكا للزوجة، وإنما يعود نصفها إلى الزوج بعد الطلاق. فإذا تم الخلع..رجع إلى الزوج نصفها، فيكون هذا النصف كالتالف قبل القبض، فيرجع الزوج إلى بدل هذا النصف في القول القديم، وبدل الدراهم دراهم، فيستحق عليها في ذمتها بدل المائتين والخمسين التي كان يستحقها بالطلاق، ويبقى لها عليه خمسمائة، فيسقط عنه نصفها بالطلاق، ويبقى لها عليه مئتان وخمسون، فيتقاصان، فيكون معنى قوله:(فما بقي.. فعليه نصفه) يعني: الخمسمائة التي لم يقع بها الخلع، فذكر ما بقي لها عليه، ولم يذكر ما له عليها، ولا ذكر المقاصة أيضًا.
قال الشيخ أبو حامد: وهذه طريقة صالحة.
وقال القاضي أبو الطيب: إن الذي قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنما قاله على أن الزوج لا يملك بالطلاق، وإنما يملك بالطلاق والاختيار، فقد صح الخلع بالخمسمائة ويرجع عليها بنصف الباقي وبقيمة نصف ما خالعها به، وإنما لم يذكر نصف ما خالعها به.