فموضع الدليل: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ملكه التمر، وأمره أن يتصدق به عن كفارته، ثم أخبره الرجل أنه محتاج إليه، فأباح له أكله ولم يلزمه إخراجه مع وجوده، فدل على أن ما تستغرقه حاجته.. لا يلزمه إخراجه؛ لأنه وجد ما تستغرقه حاجته، فكان كالعادم له في جواز الانتقال إلى بدله، كما لو وجد ماء وهو محتاج إليه لعطشه.
وإن كان معه رقبة، وهو يقدر على خدمة نفسه في العادة، كمن يخرج إلى الأسواق ويبيع ويشتري.. ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه إعتاقها؛ لأنه يمكنه أن يخدم نفسه، وأكثر الناس لا خادم له.
والثاني: لا يلزمه إعتاقها، بل له أن يصوم؛ لأنه ما من أحد إلا ويحتاج إلى من يخدمه؛ ليترفه، ولأنه يشق على الإنسان خدمة نفسه في جميع الأشياء.
وإن كان له رقبة تخدمه وهو محتاج إلى خادم، ويمكنه أن يبيعها ويشتري بثمنها رقبتين، تخدمه إحداهما، ويعتق الأخرى.. لزمه العتق.
وإن كان له دار يسكنها، أو ضيعة يأتي له منها قدر كفايته، أو له بضاعة يتجر فيها ويحصل له من ربحها قدر كفايته.. لم يلزمه بيع ذلك وصرفه في العتق.
وإن كانت الدار تزيد على ما يحتاج إليه، أو كانت الضيعة تكفيه غلة بعضها، أو كان يمكنه أن يتجر ببعض تلك البضاعة، ويحصل منها قدر كفايته.. لزمه بيع ما زاد على قدر حاجته من ذلك لشراء الرقبة.
وإن وجبت عليه الكفارة وهو معسر بها في موضعه وله مال غائب عن موضعه يمكنه أن يشتري به رقبة، فإن كان ذلك كفارة الجماع في رمضان والقتل.. لم يجز له أن ينتقل إلى الصوم، بل يصبر إلى أن يصل إلى المال، ويشتري الرقبة ويعتق؛ لأنه لا ضرر عليه في التأخير.
وإن كان ذلك في كفارة الظهار.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز له أن ينتقل إلى الصوم؛ لأن له مالا فاضلا عن كفايته يمكنه أن يشتري به رقبة، فلم يجز له أن ينتقل إلى الصوم، كما قلنا في كفارة الجماع في رمضان والقتل.