وأما (البعرة) : فإن أهل الجاهلية كانت المرأة منهم تعتد سنة، ثم إذا انقضت السنة أخذت بعرة، فرمتها، وقالت: خرجت من الأذى كما خرجت هذه البعرة من يدي.
ولأن الله تعالى ذكر في الآية الأخيرة لها النفقة والوصية، وأن لها أن تخرج، ولا خلاف أن هذه الأحكام منسوخة، فكذلك مدة الحول.
وقد روي عن ابن عباس: أنه قال: (المتاع منسوخ بالمواريث، والحول منسوخ بأربعة أشهر وعشر) .
فإن قيل: فكيف نسختها وهي قبلها؟
قلنا: إنما هي قبلها في التأليف والنظم، وهي بعدها في التنزيل، والاعتبار بالناسخ: أن يكون بعد المنسوخ في التنزيل لا في التأليف، وليس تقدمها في التأليف يدل على تقدمها في التنزيل، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}[البقرة: ١٤٢][البقرة: ١٤٢] ؟ وإنما أنزلت بعد قوله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}[البقرة: ١٤٤][البقرة: ١٤٤] ؛ لأن السفهاء إنما قالوا ذلك حين تحول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بيت المقدس إلى الكعبة. هذا قول عامة العلماء.
وقال الأوزاعي:(تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام؛ لأن الله تعالى قال: (وعشرا) ، و (العشر) : تستعمل في الليالي دون الأيام) .
دليلنا: أن العرب تستعمل اسم التأنيث وتغلبه في العدد على التذكير خاصة، فتقول: سرنا عشرا، ويريدون به الليالي والأيام.