فأما الآية الأولى: فلا حجة فيها؛ لأنه قد ذكر السكنى في الآية المنزلة بعدها.
فإن قيل: فما معنى قولها: (ولم يترك لي منزلا) ؟
قيل: معناه: ولم يترك لي منزلا يملك عينه، أو يملك منفعته بإجارة، وإنما كانت في منزل مستعار. وإذا رضي المعير بسكناها فيه.. وجب عليها السكنى فيه.
فإن قيل: فلم ينقل أنهم رضوا بسكناها فيه؟
قيل: أمر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها أن تسكن فيه يدل على: أنهم قد رضوا: لأنه لا يجوز أن يأمر بما لا يجوز.
وأما إذن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها بالانتقال عن البيت الذي كانت ساكنة فيه، ثم أمره لها بالاعتداد فيه.. فله تأويلان:
أحدهما: يحتمل أن يكون النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لها بالخروج عنه ساهيا، فذكر، فرجع. والسهو يجوز على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما لا يقر عليه.
والثاني: يحتمل أن يكون أفتاها بالفتوى الأولى على ظاهر ذهب إليه، ثم بان له في الباطن خلافه، فرجع إليه، كما روي: أنه «أقطع الأبيض بن حمال ملح مأرب، فقيل له: يا رسول الله، إنه كالماء العد، فقال: " فلا إذن» .