وقال عطاء، والزهري، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه:(لا يثبت لها الفسخ، بل يرفع يده عنها لتكتسب) . وحكاه المسعودي [في " الإبانة "] قولًا آخر لنا، وليس بمشهور.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩][البقرة: ٢٢٩] ، فخير الله تعالى الزوج بين الإمساك بالمعروف - وهو: أن يمسكها وينفق عليها - وبين التسريح بإحسان، فإذا تعذر عليه الإمساك بمعروف. تعين عليه التسريح.
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته.. يفرق بينهما» . ولأنه روي ذلك عن عمر، وعلي، وأبي هريرة، ولا مخالف لهم في الصحابة، فدل على: أنه إجماع. ولأنه إذا ثبت الخيار في فسخ النكاح لامرأة العنين والمجبوب، والذي يدخل عليها من الضرر بذلك: هو فقد اللذة بالاستمتاع، ونفسها تقوم مع فقده.. فلأن يثبت لها الفسخ لفقد النفقة - ونفسها لا تقوم مع فقدها - أولى.
وإن أعسر بالأدم.. ففيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يثبت لها الخيار في فسخ النكاح؛ لأن الخبز بلا أدم يضر بها، ولا تصبر عليه.
والثاني - ولم يذكر الشيخان غيره -: أنه لا يثبت لها الخيار؛ لأن النفس تقوم بالطعام من غير أدم.
وإن أعسر بالكسوة.. ثبت لها الخيار؛ لأن البدن لا يقوم بغير الكسوة، كما لا يقوم بغير القوت. هذا نقل البغداديين من أصحابنا.