والثانية - وهي المشهورة عنه -: (إن كانت شريفة.. لم تجبر على إرضاعه، وإن كانت دنيئة.. أجبرت على إرضاعه) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}[الطلاق: ٦][الطلاق: ٦] .. وإذا امتنعت.. فقد تعاسرت.
ولأنها لا تجبر على نفقة الولد مع وجود الأب، فكذلك الرضاع.
إذا ثبت هذا: فإن تطوعت بإرضاعه.. فالأولى للأب أن لا يمنعها من ذلك؛ لأن الرضاع حق للولد، والأم أشفق عليه، ولبنها
أصلح له.
وهل يلزمه أن يزيدها على نفقتها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يلزمه؛ لأن نفقة الزوجة مقدرة بحال الزوج، فلو قلنا: تجب الزيادة لأجل الرضاع.. لكانت نفقتها مقدرة بحالها، فلم يلزمه ذلك، كما لو كانت رغيبة في الأكل.. فإنه لا تلزمه الزيادة في نفقتها.
والثاني: تلزمه الزيادة على نفقتها، وهو قول أبي سعيد الإصطخري، وأبي إسحاق؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٣][البقرة: ٢٣٣] فخص حال الولادة بذكر إيجاب النفقة، ولا فائدة بذكر وجوبها في الولادة إلا وجوب الزيادة. ولأن العادة جرت أن المرضعة تحتاج من الطعام أكثر من غيرها.
فعلى هذا: يجتهد الحاكم في قدر الزيادة على ما يراه.
وإن استأجر امرأته على الرضاع.. فهل يصح عقد الإجارة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح، وبه قال أحمد؛ لأن كل عقد صح أن يعقده الزوج مع غير الزوجة.. صح أن يعقده مع الزوجة، كالبيع.
والثاني: لا يصح، وهو المشهور، ولم يذكر الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ غيره. وكذلك: لو استأجرها لخدمة نفسه؛ لأن الزوج يملك الاستمتاع بها في جميع الأوقات، إلا في الأوقات المستحقة للعبادات، فإذا أجرت نفسها.. لم يتمكن من استيفاء حقه إلا بتعطيل حقه من الاستمتاع، فلم يصح، كما لو أجر العبد نفسه من سيده.