والضرب الرابع: من يرجع إلى استدلاله واجتهاده، وهو إذا لم يتيقن القبلة، ولم يجد من يخبره، وهو ممن يعرف دلائل القبلة. . . فينظر فيه: فإن كان بينه وبين البيت حائل أصلي، كالجبل. . جاز له الاجتهاد، والاستدلال على القبلة بالشمس، والقمر، والنجوم والرياح، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل: ١٦][النحل: ١٦] .
ولا يلزمه صعود الجبل؛ لأن في تكليف ذلك مشقة. ولأنا لو ألزمناه ذلك. . للزم من كان بينه وبين الكعبة ميل أو ميلان: أن يمضي إليها ويشاهدها، ولو ألزمناه ذلك. . لم ينفصل عمن بينه وبين [الكعبة] مسيرة يوم أو أكثر: أن يمضي إليها، فسقط ذلك عن الجميع.
وإن كان بينه وبين الكعبة حائل طارئ، كالبناء. . . ففيه وجهان.
أحدهما: لا يجوز له الاجتهاد - ولم يذكر في " التعليق " و" المجموع " غيره - لأن الاجتهاد كان لا يجوز في هذا الموضع قبل حدوث البناء، فلم يتغير الحكم بحدوثه.
والثاني: يجوز. قال الشيخ أبو إسحاق، وابن الصباغ: وهو الأصح؛ لأنه لا يرى البيت، فهو كما لو كان الحائل أصليا.
وإذا ثبت هذا: ففي فرض المجتهد قولان:
أحدهما:(أن فرضه إصابة الجهة دون العين) وهو قول أبي حنيفة.
وروي عنه: أن قال (قبلة العراق ما بين مطلع الشمس ومغربها) .
لأنه لو كان الفرض هو إصابة العين. . . لما صحت صلاة الصف الطويل؛ لأن فيهم من يخرج عن العين.