إذا ثبت هذا: فإن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الأم ": (لا قصاص فيما دون الموضحة من الشجاج) ، ونقل المزني: لو جرحه، فلم يوضحه.. اقتص منه بقدر ما شق من الموضحة. واختلف أصحابنا فيه:
فقال الخراسانيون: هل يجب القصاص فيما دون الموضحة من الشجاج؟ فيه قولان.
وقال أكثر أصحابنا البغداديين: لا يجب القصاص فيما دون الموضحة، وما نقله المزني فيه سهو؛ لأن القصاص هو المماثلة، ولا يمكن المماثلة فيما دون الموضحة، فلو أوجبنا فيها القصاص.. لم نأمن أن نأخذ في موضحة بمتلاحمة؛ لأنه قد يكون رأس المجني عليه غليظ الجلد كثير اللحم، ويكون رأس الجاني رقيق الجلد قليل اللحم، فإذا قدرنا العمق في المتلاحمة في رأس المجني عليه، وأوجبنا قدره في رأس الجاني.. فربما بلغت إلى العظم، وذلك لا يجوز.
وقال الشيخ أبو حامد: يمكن عندي القصاص فيما دون الموضحة من الشجاج على ما نقله المزني، بأن يكون في رأس المجني عليه موضحة، وفي رأس الجاني موضحة، فينظر إلى المتلاحمة التي في رأس المجني عليه، وينظر كم قدرها من الموضحة التي في رأس الجاني، فإن كانت قدر نصفها.. نظر كم قدر الموضحة التي في رأس الجاني، فيقتص منه نصف موضحته التي في رأسه.
والمشهور: أنه لا قصاص في ذلك.
وأما الموضحة: فيجب فيها القصاص؛ لأن المماثلة فيها ممكنة من غير حيف، فتقدر الموضحة بالطول والعرض، ويعلم عليه بخيط أو سواد، ولا يعتبر العمق؛ لأنه يأخذ إلى العظم.