قال: عفوت عن القود وأطلق، فإن قلنا: إن الواجب بقتل العمد أحد شيئين.. وجبت الدية؛ لأنها واجبة لم يعف عنها، وإن قلنا: إن الواجب هو القود وحده.. ففيه طريقان. من أصحابنا من قال: فيه قولان، ومنهم من يحكيهما وجهين:
أحدهما: لا تجب الدية؛ لأنها لا تجب على هذا إلا باختياره لها، ولم يخترها، فلم تجب.
والثاني: تجب الدية؛ لئلا تهدر الدماء. والأول أصح.
ومنهم من قال: لا تجب الدية، قولاً واحداً، وهو قول أبي إسحاق المروزي، والشيرازي؛ لما ذكرناه للأول.
فإن قال: عفوت عن القود إلى الدية، أو قال: عفوت عن القود، ولم يقل: إلى الدية، وقلنا: تجب الدية، ثم أراد أن يطالب بالقود.. لم يكن له؛ لأنه قد سقط.
وإن قال: عفوت عن الدية، فإن قلنا: إن الواجب هو القصاص وحده.. لم يصح عفوه، وكان له أن يقتص.
فإن عفا عن القود بعد ذلك، أو على الدية، أو عفا مطلقاً، وقلنا: تجب الدية بالإطلاق.. استحق الدية؛ لأن عفوه الأول عنها كان قبل وجوبها. وإن قلنا: إن الواجب أحد الشيئين.. سقطت الدية، وتعين حقه في القصاص، فإن اقتص منه.. فلا كلام. وإن مات القاتل قبل أن يقتص منه.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (له أن يأخذ الدية؛ لأنه لما سقط القود بغير اختياره.. كان له الرجوع إلى بدله) . وإن كان القاتل حياً، وأراد الولي أن يعفو عن القود إلى الدية.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (ليس له ذلك؛ لأنه كان له أن يختار الدية، فلما لم يخترها وتركها.. لم يكن له العود إليها) .
وقال أبو إسحاق: له أن يعفو عن القود ويختار الدية؛ لأنه انتقال من البدل الأغلظ إلى الأخف.
وإن قال: اخترت القصاص.. فهل له أن يرجع ويعفو عنه إلى الدية؟ فيه وجهان: