لم يجب على الأول قصاص في الطرف ولا في النفس؛ لأنه غير مكافئ له في حال الجناية، وعليه نصف الدية؛ لأن المجني عليه حر وقت استقرار الدية، وأما الثاني: فيجب عليه القصاص في الطرف؛ لأنه مكافئ له وقت الجناية، وهل يجب عليه القصاص في النفس؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو الطيب بن سلمة: لا يجب عليه القصاص في النفس؛ لأن الروح خرجت من سراية جنايتين: إحداهما توجب القصاص، والأخرى لا توجبه، فلم يجب القصاص، كحرين قتلا من نصفه حر ونصفه عبد.
والثاني - وهو المذهب -: أنه يجب عليه القصاص في النفس؛ لأنه مكافئ له حال الجناية، وإنما سقط القصاص عن شريكه لمعنى يختص به، فلم يسقط القصاص عنه، كما لو قتل عبد وحر عبدًا. فإن عفا عنه عن القصاص إلى المال، أو كانت الجنايتان أو إحداهما خطأ.. وجب على الجانيين دية حر، على كل واحد منهما نصفها؛ لأن الاعتبار بالأرش حال الاستقرار، ويكون للسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية؛ لأن نصف القيمة إن كانت أقل.. فهو الذي وجب في ملكه، والزيادة حصلت بالحرية، لا حق له فيها، ويكون الباقي من الدية لورثة المقتول، وإن كان نصف الدية أقل.. لم يجب له أكثر منه؛ لأن نصف القيمة نقصت بإعتاقه، ويكون النصف الثاني لورثة المقتول.
فإن قطع حر يد عبد، فأعتق العبد، ثم قطع آخر يده الأخرى، ثم قطع آخر رجله، ومات من الجنايات.. لم يجب على الأول قصاص في الطرف ولا في النفس، وأما الآخران: فيجب عليهما القصاص في الطرفين، وهل يجب عليهما القصاص في النفس؟ على الوجهين.
فإن عفا عنهما عن القصاص على مال، أو كانت الجنايات أو بعضها خطأ.. وجب فيه دية حر، وكم يستحق المولى؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه يستحق أقل الأمرين من أرش الجناية، وهو: نصف القيمة هاهنا، أو ما يجب على الجاني في ملكه، وهو: ثلث الدية؛ لأن الذي وجب في ملكه هو أرش جناية الأول، فقوبل بين الذي وجب عليه حال الجناية، وحال استقرارها،