أحدها: أن يكونوا طائفة فيهم منعة يحتاج الإمام في كفهم إلى عسكر، فإن لم يكن فيهم منعة، وإنما هم عدد قليل.. لم يتعلق بهم أحكام البُغاة، فإنما هم قطاع الطريق، لما رُوِي: أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله قتل علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان متأولا في قتله، فأقيد به، ولم ينتفع بتأويله؛ لأنه لم يكن في طائفة ممتنعة، وإنما كانوا ثلاثة رجال تبايعوا على أن يقتلوا عليا ومعاوية وعمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في يوم واحد، فأما صاحب عمرو بن العاص: فذهب إلى مصر، فلم يخرج عمرو ذلك اليوم، وأمَّا صاحب معاوية: فذهب إليه إلى الشام، فلم يتمكن من قتله، وإنما جرحه في أليته، فأراه الطبيب، فقال له: إن كويته.. برئ، ولكن ينقطع النسل، فقال:(في يزيد كفاية) ، وكواه وبرئ، وأمَّا عبد الرحمن بن ملجم: فجرح عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه - فمات - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
الشرط الثاني: أن يخرجوا من قبضة الإمام، فإن لم يخرجوا من قبضته.. لم يكونوا بُغاة، لما رُوِي: أن رجلا قال على باب المسجد - وعلي يخطب على المنبر -: لا حكم إلا لله ورسوله، تعريضا له في التحكيم في صفين، فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه -: (كلمة حق أريد بها باطل) ثم قال: (لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال) . فأخبر: أنهم ما لم يخرجوا من قبضته.. لا يبدؤهم بقتال.