ويخالف الامتناع من أكل الطعام؛ لأنه ليس له غرض في الامتناع من أكله إلا قتل نفسه بغير الشهادة، فلم يكن له ذلك.
فإن أمكن المقصود أن يهرب ممن قصده.. فقد قال الشافعيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موضع:(عليه أن يهرب) وقال في موضع آخر: (له أن يهرب، وله أن يقف) .
واختلف أصحابنا في ذلك على ثلاث طرق:
فـ[الطريق الأول] : منهم من قال: فيه قولان:
[أحدهما] : لا يجب عليه أن يهرب؛ لأن إقامته في هذا الموضع مباح، فلا يلزمه الانصراف عنه.
الثاني: يجب عليه أن يهرب، وليس له أن يقاتله؛ لأنه ليس له أن يدفعه إلا بأسهل ما يمكنه، ويمكنه التخلص منه هاهنا بالهرب.
و [الطريق الثاني] : منهم من قال: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين.
فحيث قال:(يلزمه أن يهرب) ، إذا كان يتحقق أنه ينجو منه بذلك.
وحيث قال:(لا يلزمه) ، إذا كان لا يتحقق أنه ينجو منه بذلك.
و [الطريق الثالث] : منهم من قال: يُبنى ذلك على وجوب دفعه عن نفسه، فإن قلنا: يجب عليه الدفع.. لزمه أن يهرب، وإن قلنا: لا يجب عليه الدفع.. لم يلزمه أن يهرب.
فعلى هذا الطريق: يلزمه أن يهرب بحريمه إذا علم أن القاصد يطلب ذلك؛ لأنه يجب عليه أن يدفع عن حريمه.
وإن قصد رجل رجلا، فقاتله، فولَّى القاصد عنه.. لم يكن له اتباعه ورميه، فإن فعل.. لزمه ضمان ما جنى عليه؛ لأنه قد اندفع عنه.
وهكذا: إن دخل اللصوص داره وخرجوا منه.. لم يأخذوا شيئا من ماله، أو قصده قطاع الطريق، ثم انصرفوا عنه.. لم يكن له اتباعهم ولا رميهم؛ لما ذكره.