يده الأخرى، فإن اندملت الجراحات.. وجب عليه ضمان الرجل بالقصاص أو الدية، ولا يجب عليه ضمان قطع اليدين؛ وإن مات من الجراحات.. لم يجب عليه قصاص في النفس؛ لأنه مات من ثلاث جراحات بعضها لا يوجب القصاص، وللولي أن يقتص من رجل المقصود، فإن عفا عن القصاص فيها.. لم يجب له إلا ثلث الدية؛ لأنه مات من ثلاث جراحات: فالأولى مباحة، والثانية محظورة، والثالثة مباحة، فقسمت الدية عليها.
فإن قصده، فقطع يده، فلم يندفع عنه، فقطع يده الثانية، فولى القاصد، ثم تبعه المقصود، فقطع رجله، ومات من الجراحات.. لم يجب عليه القصاص في النفس، لما مَضَى، وللولي أن يقتص من الرجل، وإن عفا عنها.. وجب له نصف الدية.
والفرق بينها وبين التي قبلها: أن الجراحتين المباحتين متواليتان، فكانتا كالجناية الواحدة، وفي الأولى: لما ولى بعد الجراحة الأولى.. استقر حكمها، فلما جرحه بعد أن ولى عنه جراحة ثانية وقعت محظورة.. فاستقر حكمها، فلما جرحه الثالثة في حال قصده.. استقر حكمها، فقسطت الدية عليها.
وإن قصده، فقطع يده، فولى عنه، ثم تبعه فقتله.. كان لوليه القصاص في النفس؛ لأنه لما ولى عنه.. لم يكن له قتله.
قال الطبري في " العُدة ": ولورثة المقصود أن يرجعوا في تركة القاصدة بنصف الدية؛ لأن القصاص سقط عنه بهلاكه.
قلت: والذي يقتضي المذهب: أنهم لا يرجعون بشيء، كما لو اقتص منه بقطع يده، ثم قتله. ولأن النفس لا تنقص بنقصان اليد؛ ولهذا: لو قتل رجل له يدان رجلا ليس له إلا يد.. قتل به، ولا شيء لورثة القاتل.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وسواء كان القاصد صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، ذكرا أو أنثى.. فله أن يدفعه عن نفسه؛ لأنه إنما جوز له ذلك؛ لأنه يخافه على نفسه، وهذا المعنى موجود في جميع هؤلاء) .