فإن قيل: فصيغة الآية صيغة الخبر، فكيف جعلتموها أمرا؟
فالجواب: أن الخبر من الله عما يقع بالشرط لا يجوز أن يقع بخلاف ما أخبر به، وقد يوجد الواحد من الكفار يغلب الاثنين والثلاثة والعشرة من المسلمين، فدلَّ على: أنها أمر بلفظ الخبر. ولأن الله تَعالَى قال:{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}[الأنفال: ٦٦][الأنفال: ٦٦] والتخفيف يقع في الأمر لا في الخبر.
ومن تعين عليه فرض الجهاد.. فلا يجوز له أن يولي إلا في حالتين:
أحدهما: أن يولي متحرفا للقتال؛ وهو: أن يرى المصلحة في الانتقال من موضع ضيق إلى موضع متسع، أو من موضع متسع إلى موضع ضيق وما أشبهه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}[الأنفال: ١٦][الأنفال: ١٦] ورُوِي عن ابن مَسعُودٍ، أنه قال: «لما ولى المسلمون يوم حنين.. بقي مع النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانون نفسا، فنكصنا على أعقابنا قدر أربعين خطوة، ثم قال النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أعطني كفا من تراب " فأعطيته، فرماه في وجوه المشركين، فقال لي:" اهتف بالمسلمين " فهتفت بهم، فأقبلوا شاهرين سيوفهم» . وإنما ولوا متحرفين للقتال من مكان إلى مكان.
والثاني: أن يولي متحيزا إلى فئة ليعود معهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}[الأنفال: ١٦][الأنفال: ١٦] وسواء كانت الفئة قريبة منه أو بعيدة مسيرة يومين أو أكثر؛ لعموم الآية، ولما رُوِي عن ابن عمر: أنه قال: «كنت في سرية من سرايا النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحاص الناس حيصة عظيمة، وكنت فيمن حاص، فلما فررنا.. قلت: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بغضب ربنا؟ فجلسنا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل صلاة الفجر، فلما خرج.. قمنا إليه، فقلنا: نحن الفرارون، فقال:" لا، بل أنتم العكارون ". فدنونا فقبلنا يده، فقال: " أنا فئة المسلمين» يروى هذا: (فجاض القوم) بالجيم والضاد