كمذهب أصحاب الحديث؛ أن من ارتكب كبيرة.. فقد أثم، ولكن الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه. وقالت المعتزلة: من ارتكب كبيرة. استوجب النار، ويكون مخلدا، ولا يجوز أن يعفوا الله عنه. وهذا موضعه في أصول الدين.
ومن تعين عليه الجهاد، وغلب على ظنه: أنه إن لم يفر هلك.. فلا خلاف: أنه لا يلزمه الفرار؛ لأن التغرير بالنفس جائز في الجهاد، ولكن: هل يجوز له أن يولي غير متحرف لقتال ولا متحيز إلى فئة؟ فيه وجهان.
أحدهما: لا يجوز له ذلك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}[الأنفال: ١٦][الأنفال: ١٦] الآية: ولم يفرق.
والثاني: يجوز له ذلك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: ١٩٥][البقرة: ١٩٥] ، وفي بقائه على القتال تهلكة لنفسه.
وإن زاد عدد المشركين على مثلي عدد المسلمين.. لم يجب على المسلمين مصابرتهم؛ لأن الله تَعالَى لما أوجب على الواحد مصابرة الاثنين.. دل على: أنه لا يجب عليه مصابرة ما زاد عليهما. ولما رَوَيْنَاهُ عن ابن عبَّاس. فإن علم المسلمون أنهم إذا ثبتوا لقتالهم غلبوا الكفار أو ساووهم، ولم يخشوا منهم القتل ولا الجراح ... فالمستحب لهم: أن يثبتوا لقتالهم؛ لأنهم إذا انهزموا.. اشتدت شوكة الكفار. وإن غلب على ظن المسلمين أنهم إن ثبتوا لقتالهم هلكوا.. ففيه وجهان: