أحدهما: أنه لم يكن لهم كتاب ـ وبه قال أبو حَنِيفَة ـ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}[الأنعام: ١٥٦][الأنعام: ١٥٦] ، ولما رُوِيَ: أن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما كتب إلى قيصر، كتب إليه:(من محمد بن عبد الله إلى عظيم الروم {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ}[آل عمران: ٦٤] الآية [آل عمران: ٦٤] . ولما كتب إلى كسرى كتب إليه: (من محمد بن عبد الله إلى كسرى) . ولم يخاطبهم بأنهم أهل كتاب، وهم مجوس، فدلَّ على أنهم لا كتاب لهم.
والثاني: أنهم كان لهم كتاب، وهو الأصح؛ لما رُوِيَ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (أنا أعلم من على وجه الأرض بأمر المجوس، كان لهم علم يعلمونه، وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته، فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فجاءوا ليقيموا عليه الحد، فامتنع، ودعا أهل مملكته، وقال: ما أعلم دينًا خيرًا من دين آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد أنكح بناته بنيه، وأنا على دينه، فبايعه قوم، وقاتل الذين يخالفون حتى قتلهم، فأصبح وقد أسري بكتابهم ومحي العلم من صدورهم فأصبحوا أميين) .
وأمَّا الآية: فلا تدل على أنه لم ينزل الكتاب على غير اليهود والنصارى، لأن الله تَعالَى قال:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى}[الأعلى: ١٨][الأعلى: ١٨] ولقوله تَعالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ}[الشعراء: ١٩٦][الشعراء: ١٩٦] وأمَّا كتاب النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلأن الروم كان لهم كتاب موجود؛ فلذلك خاطبهم به، والمجوس ليس لهم كتاب موجود، فلذلك لم يخاطبهم به.