أربعة أشهر غير منسوخة، لأن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام على الهدنة قدر سنتين.
فإذا قلنا: إن الهدنة منسوخة فيما زاد على أربعة أشهر.. لم يجز عقدها فيما زاد على أربعة أشهر لا لحاجة ولا لضرورة. وإن قلنا: إنه ليس بمنسوخ، فإن زاد الإمام عقد الهدنة كحاجة الضرورة؛ بأن كان المدد بعيدا عنه ويخاف سير المشركين.. فكم المدة التي يجوز عقد الهدنة إليها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز عقدها لأقل من السنة، ولا يجوز إلى سنة؛ لأن السنة مدة الجزية، فلا يجوز إقرارهم فيها من غير عوض.
والثاني: يجوز عقدها لسنة؛ لأنهم إنما لا يجوز إقرارهم في دار الإسلام سنة بغير عوض، وأمَّا الهدنة.. فهي كف عن القتال، فجاز إلى سنة من غير عوض.
وإن كان ذلك لضرورة؛ بأن كان العدو قد نزل على المسلمين وخافهم الإمام.. ففي المدة قولان:
أحدهما: لا تجوز إلا إلى سنة.
والثاني: تجوز إلى عشر سنين.
ولا يجوز عقد الهدنة إلى أكثر من عشر سنين بحال، بلا خلاف على المذهب. وقال أبُو حَنِيفَة وأحمد بن حنبل:(يجوز ذلك على ما يراه الإمام، كما يجوز الصلح على أداء الخراج من غير تقدير مدة) .
دليلنا: أن الله تَعالَى أمر بالقتال عاما في جميع الأوقات، وإنما خصصناه بما قام عليه الدليل، ولم يقم الدليل إلا في عشر سنين؛ بفعل النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلح الحديبية، فبقي ما زاد على مقتضى عموم الأمر. فإن عقد الهدنة إلى أكثر من عشر سنين.. لم