والثاني: لا يجب - وهو اختيار الشافعيُّ، والمزني، وبه قال أبُو حَنِيفَة وأحمد ـ وهو الأصح، لأن البضع ليس بمال، والأمان لا يدخل فيه إلا المال، ولهذا: لو أمن مشركا.. لم تدخل امرأته في الأمان. ولأنه لو ضمن البضع بالحيلولة.. لضمنه بمهر المثل، ولا خلاف أنه لا يضمنه بمهر المثل.
وهذان القولان مأخوذان من كيفية هدنة النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية:
فإن قلنا: إنه كان شرط في العقد رد من جاءه من المسلمات، ثم نسخه الله تَعالَى ونهاه عن ردهن، وأمره برد مهرهن.. فعلى هذا: لا يجب على غير النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأئمة رد المهر؛ لأن ذلك إنما لزم النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشرط. وإن قلنا: إن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عقد الهدنة مطلقا، واقتضى الإطلاق الكف عن المال، والبضع يجري مجرى المال.. وجب على غيره من الأئمة رد المهر، لأن هذا يوجد في منع غير النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ردها إليهم.
قال ابن الصبَّاغ: ورأيت بعض أصحابنا ذكر: أنه إن كان قبل الدخول.. وجب رد المهر قولا واحدا؛ لأن المرأة إذا أسلمت قبل الدخول تحت الكافر.. سقط مهرها.
قال: وهذا سهو من هذا القائل؛ لأن كلامنا في رد الإمام المهر: من سهم المصالح، فأما المرأة: فلا يجب عليها رد ما غلبت عليه الكفار.
ولو كانت أمة فجاءت مسلمة.. فإنه يحكم بحريتها.
إذا ثبت هذا: فتكلم الشافعيُّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في تفسير هذه الآية وهي قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}[الممتحنة: ١٠][الممتحنة: ١٠] فمعنى قوله: {فَامْتَحِنُوهُنَّ}[الممتحنة: ١٠] أي: اختبروهن، فإن علمتموهن مؤمنات، يعني: إن ظننتم ذلك بقولهن، والعلم يعبر به عن الظن؛ لأنه جار مجراه في وجوب العمل به. {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة: ١٠][الممتحنة: ١٠] لأن بالإسلام وقع التحريم بينهن وبين الكفار. فإن كان قبل الدخول. فقد انفسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول.. وقف الفسخ على انقضاء العدة. {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}[الممتحنة: ١٠] وهو: رد المهر