وإن عقد الإمام الهدنة على رد من جاء من الرجال مسلما ممن له عشيرة، فأسلم رجل منهم له عشيرة وهاجر إلى الإمام وجاء من يطلبه.. فإنه يرده إليهم؛ لما رُوِيَ:«أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد أبا بصير وأبا جندل على من جاء يطلبهما» ، ولسنا نريد بالرد أنه يكرهه على الرجوع؛ لأنه لا يجوز إجبار المسلم على الإقامة في دار الحرب، ولكن الإمام يقول لطالبه: لا نمنعك من رده إن قدرت، ولا نعينك عليه، ويقول للمسلم في الظاهر: إن اخترت الرجوع.. لم نمنعك منه. ويشار عليه في الباطن: أن يهرب من البلد إذا علم أنه قد جاء من يطلبه، فإن جاء من يطلبه وأخذه.. أشير عليه في الباطن: أن يهرب منه في الطريق. وعلى هذا يحمل ما روي:«أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد أبا بصير وأبا جندل» . أي: خلى بينهم وبين الرجوع؛ لا أنه أكرههما. وقيل: إن أبا بصير قتل اثنين في الطريق ورجع وقال: قد وفيت لهم يا رسول الله، ونجاني الله منهم. هذا نقل أصحابنا العراقيين.
وقال المسعودي [في " الإبانة "] : إذا جاء من يطلبه، فإن كان له أب شفيق أو قرابة يعلم أنه لا يستذل بينهم.. رد إليهم. وإن لم يكن له قرابة، وخفنا أن يستذل بينهم.. لم يرد إليهم.
وأمَّا كيفية الرد: فإن كان الإمام قد شرط لهم أن كل من أتى مسلما حمله إليهم.. وجب حمله إليهم، وإن شرط أن يخلي بينه وبينه.. لم يجب حمله، وخلي سبيله، ثم يحملونه إن شاؤوا. ولا بأس أن يشار على المطلوب بقتل طالبه أو الهرب منه تعريضا لا تصريحا؛ لأجل العهد؛ لما رُوِيَ: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لأبي جندل حين رد إلى أبيه:(إن دم الكافر مثل دم الكلب) يعرض له بقتل طالبه الكافر.