النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صالح مشركي قريش عام الحديبية.. دخل بَنُو بكر في جملة قريش وكانوا حلفاءهم، ودخلت خزاعة في جملة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحالفوه، فحارب بَنُو بكر خزاعة، وأعان نفر من قريش بني بكر على خزاعة، وأمسك سائر قريش، فجعل النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك نقضا لعهدهم، وسار إلى مكة وفتحها) . وقيل: لم يعن أحد من قريش بني بكر، وإنما قتل رجل من بني بكر رجلا من خزاعة، فسكتت قريش ولم تنكر على بني بكر، فجعل النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك نقضا لعهدهم. ولأنه لما كان عقد الواحد للهدنة عقدا لجميعهم؛ بدليل: أن سهيل بن عمرو لما عقد الهدنة له ولمشركي قريش، وعقد أبُو سفيان الأمان له ولقريش.. كان نقض الواحد نقضا له وللراضي بنقضه.
وإن نقض بعضهم العهد، وأنكر الباقون على الناقضين نقضهم بقول أو فعل ظاهر، أو اعتزلوهم، أو أرسلوا إلى الإمام بأنا منكرون ما فعلوه مقيمون على العهد.. انتقض العهد في حق الناقضين دون الآخرين؛ لأن المنكرين لم ينقضوا العهد ولا رضوا بنقضه. فإن كان الذين لم ينقضوا غير مختلطين بالناقضين.. غزا الإمام الناقضين دون الذين لم ينقضوا. وإن كانوا مختلطين بهم.. لم يجز أن يبيتهم ويقتلهم؛ لأنه يقتل من نقض ومن لم ينقض، بل يرسل إلى الذين لم ينقضوا بأن يتميزوا عن الناقضين أو بتسليم الناقضين إن قدروا، فإن لم يفعلوا أحد هذين الأمرين